حول الغرب والإسلام والارهاب والمثقف العربى والسلطة


بقلم: سعيد ســــالم 

يثار الآن سؤال في منتهى الخطورة حول ما آلت اليه العلاقة بين الغرب والإسلام من تدهور ينذر بكارثة..لا أحد ينكر اشتعال هذا الصراع،ولكن هناك تيارا فكريا يؤججه ويتزعمه بعض المفكرين الذين-لحسن الحظ-تصدى لهم آخرون ، معارضين لنظرياتهم ومفندين لها بالحجة والمنطق.كما يزيد من حدة الصراع جماعة من المهووسين الدينيين الذين هم في واقع الأمر ضحايا لفكر هؤلاء المفكرين،وأدوات مجردة لتنفيذ هذا الفكر كيفما كان اتجاهه الثقافى..بينما تقول حقائق التاريخ والدين والثقافة أن أوجه الخلاف بين حضارة الغرب وحضارة الاسلام أقل بكثير من أوجه الاتفاق..وفى رأيى أن هناك فئات ثلاث ساهمت وروجت للعداء بين الاسلام والغرب.

الفئة الأولى يمثلها مفكرون أمريكيون ثلاثة عرضوا أفكارهم حول هذه القضية في مؤلفات كان تأثيرهاالسلبى شديدا على العالم بأسره.الأول هو ريتشارد نيكسون في كتابه “
seize the moment “ أو"انتهزوا الفرصة"،والثانى هو فرانسيس فوكوياما في كتابه"نهاية التاريخ"،والثالث وهو أخطرهم:صمويل هنتنجتون في كتابه "صراع الحضارات"أو" of civilizations clash".

وتدور الكتب الثلاثة على وجه العموم في فلك عنصرى يروج لحتمية سيطرة ثقافة الغرب وسياسة الغرب واقتصاد الغرب على العالم كله من جهة، وتروج من جهة أخرى لفكرة أن الإسلام هو العدو الحتمى للحضارة الغربية من بعد سقوط الشيوعية..ويكفى أن نقرأ هاتين العبارتين لصمويل هنتنجتون:
1-(إن لم نكره ماليس نحن، فلن يمكننا أن نحب ماهو نحن)!!!
2-(نحن لانعرف من نكون إلا عندما نعرف من ليس نحن،وذلك يتم غالبا عندما نعرف ضد من نحن)!!!
يكفى أن نقرأ هاتين العبارتين لنستدل منهما على براعة الكاتب فىبث سموم العداء والتفرقة والكراهية والعنصرية بين شعوب العالم وحضاراتها ، وليس بين الاسلام والغرب فقط.

أما الفئة الثانية فيمثلها المستشرقون الذين تعاملوا مع القرآن على طريقة " لاتقربوا الصلاة"
فاقتطعوا منه بعض النصوص التى تحض على قتال المعتدين وعزلوها عن مسارها التاريخى زمناوحدثا، بحيث لايترك للعين أن ترى من الإسلام غير الانفجارات ودماء الأبرياء..اختلطت مفاهيم الاسلام بالإرهاب بالمقاومة المشروعة للمعتدى المحتل وضاع الحق وتفرق بين الجميع الذين عجزوا حتى الآن عن التوصل الى تعريف علمى للفظة الإرهاب.

أما الفئة الثالثة فهم الارهابيون خدام الثقافة الأصولية بشقيها الاسلامى والمسيحى..انهم أناس غسلت أدمغتهم من كل شىء إلا العداء للآخر في الدين وضرورة القضاء عليه معنويا بتكفيره وماديا بقتله ،بحيث أصبحت الصورة الماثلة أمامنا تعبر بحق عن صراع أصوليات لاصراع حضارات. وفى مقابل هؤلاء الذين يتطوعون بتفتيت أجسادهم الى قطع متناثرة تنفيذا لفكر ثقافى متخلف، نجد أن النخبة الحاكمة في أقوى وأغنى دولة في العالم تنفذ ماجاء من فكر في المؤلفات الثلاثة المشار اليها تنفيذا يكاد يكون حرفيا.ويكفى أن ننظر بعين العدل والإنصاف الى مايحدث في فلسطين والعراق وأفغانستان تحت راية مايسمى بالنظام العالمى الجديد أو عولمة العالم أو بتعبير أدق:أمركة العالم،حتى نتأكد من صحة هذا الادعاء..فالعولمة تعنى سيادة الشركات عابرة القارات بما يؤدى الى تحطيم قدرات الدولة القومية،وهى تعنى مصنعا عالميا واحدا وسوقا عالمية واحدة تهيمن عليه هذه الشركات بعيدا عن القيم الانسانية والوطنية.وهذا يؤدى بدوره الى نمو النزعات الطائفية والثقافية وسيادتها كرد فعل انسانى يائس لحاجة الانسان الغريزية الى ملاذ روحانى ثقافى دينى يحتمى به من هذه الهجمة اللاانسانية،والتى جعلت روجيه جارودى يصف الغرب بأنه قد"استبدل بوحدانية الله وحدانية السوق".

اننى أنظر الى النظام العالمى الجديد الذى تقوده أمريكا كنظام يقوم على الفكر الداروينى القائل بأن البقاء للأقوى وليذهب الأضعف الى الجحيم،فالأقوى يبتكر وينتج والأضعف يستقبل ويستهلك ،في ظل آلة إعلامية جبارة تسوق لثقافة الغرب ومنتجاته.. وهذابالطبع لاينفى استحقاق الضعفاء والكسالى من الأمم أن تدفع ثمن تخاذلها وتخلفها عن مواكبة العصر ، فمن المؤكد أن المساواة بين من يعمل ومن لايعمل هو الظلم بعينه.يدفعنا ذلك الى أهمية أن نبحث كيف نكون أقوياء كعرب أو مسلمين حتى نستطيع التجانس والتفاعل مع حضارة الغرب السائدة،فنحن بضعفنا وتشتتنا وتخلفنا صرنا نقدم أنفسنا طوعا كفريسة سهلة المنال في عالم اختزلت فيه العلاقات الانسانية الى علاقة واحدة بين مفترس وفريسة،وهذا يذكرنى بقصة يوسف ادريس"أنـا سلطان قانون الوجود" التى تعبر بحق عن هذه الفكرة ، إذ التهم النمر محمد الحلو لحظة شعوره بانكسار نظرته.

لاجدوى من البكاء على الأطلال ، ولنستشهد هنابقول ريتشارد نيكسون في كتابه المذكور نصا وحرفا: (بينما ذبلت أوروبا في العصور الوسطى، تمتعت الحضارة الاسلامية بعصرها الذهبى حين أسهم الإسلام بمجهودات هائلة في مجال العلوم والطب والفلسفة،وقد لاحظ وول ديورانت في كتابه"عصر الإيمان"أن الإنجازات الهامة في كل الميادين قد تحققت على يد مسلمين في هذه الفترة..وطيلة خمسة قرون من700-1200م فإن العالم الاسلامى تقدم وتفوق على العالم المسيحى فيمايتعلق بالقوة الجيوبوليتيكية ومستوى المعيشة وتقدم القوانين ومستوى الفلسفة والعلوم والثقافة،لكن عقودا من الحرب قلبت الطاولات)..ويستطرد قائلا مايعبر عن نوايا حسنة ورائعة:( ومثلما ساعدت المعرفة من الشرق في تحريك عصر النهضة في الغرب، فإن الوقت قدحان يالنسبة للغرب كى يسهم في نهضة العالم الإسلامى)..
هذا ببساطة يعنى أننا كنا أقوياء، وأن بمقدورنا أن نعود أقوياء مرة أخرى، ولايجب أن ننسى أن ابن رشد كانوا يلقبونه بمعلم أوروبا حتى نهاية العصور الوسطى.والحق أنه يمكننا كعرب-مسلمين ومسيحيين-أن نتلمس الطريق الى هذه القوة دون التشبث بالماضى والعجز عن استشراف المستقبل.لكن هذا لايتحقق بغير الانطلاق بلا تردد فى اتجاهين:الأول سياسى واقتصادىوالثانى ثقافى، فالعرب لن تقوم لهم قائمة مالم يتكتلوا اقتصاديا وسياسيا حتى يشكلوا كيانا قويا يستطيع مواجهة التكتل المناظر للغرب والتكامل معه.لقد نجح الغرب في إقامة وحدة متكاملة لدرجة توحيد العملة رغم اختلاف اللغات والثقافات والمواقع الجغرافية ..ولكى ينجح العرب في ذلك ينبغى أن يتخلواعن ثقافة اللفظ وينطلقوا الى ثقافة الأداء والإنجاز، وعن ثقافة النقل الى ثقافة العقل،وعن ثقافة النمل الى ثقافة النحل-على حد تعبيرات استاذنا الدكتور زكى نجيب محمود-وعن الثبات والجمود الى الديناميكية والتطور..هذا الإنجاز يتمثل في تعظيم مقومات التنمية وقوة الدفع الذاتى وعدم الاعتماد على القروض والتقليل من الاستيراد السلعى والخدمى والاعتماد على تنوع الصادرات وتشجيع القوى الوطنية على الانتاج،وقبل ذلك كله إحداث ثورة في نظام التعليم بحيث يفرز لنا عقليات إبداعية لانمطية.كما يجب زيادة الانفاق على البحوث..
وفى النهاية لابد من تدعيم أسس الديموقراطية والقضاء على الفساد المستشرى بين دوائر الحكم ورجال الأعمال وأصحاب المناصب المؤثرة. ولامفر من تعظيم دور الثقافة والمثقفين في توجيه الأمور وإلغاء القيود المفروضة على الكتاب والمفكرين بحيث يتم تثقيف السياسة بدلا من تسييس الثقافة.وفى هذا الصدد تحضرنى وثيقة خطيرة عرفت باسم(وثيقة الاسكندرية2004)التى وضع بها كوكبة من المفكرين والعلماء أسسا علمية للإصلاح السياسى والاقتصادى والثقافى والاجتماعى في العالم العربى،ولكن ياخسارة..لم يبق من الوثيقة إلا مجلدها الفاخر ولم يتحرك الحكام ولم تتحرك الشعوب-وهى الأهم-خطوة حقيقية لوضع هذا الاصلاح موضع التنفيذ..انها حقا ثقافة لفظ.!

على الفكر العربى أن يجمع-انتقائيا- بين الأصالة والمعاصرة وأن يتخلى عن خلط المطلق بالنسبى والدين بالدولة،وأن يكون المنهج العلمى ركيزته الوحيدة للانطلاق الى المستقبل،فتراثنا وحده لايصلح ولايفيد فىمجال السياسة إذ لم يقدم لناحلولا ديموقراطية وإنماقدم لناحكما فرديا استبداديا تفنن في اضطهاد العلماء والمفكرين،ولايصلح ولايفيد في مجال التعليم فهو لم يقدم لنا العقلية الابداعية المبتكرة وانما قدم لنا عقلية الحفظ والتلقين والتسميع،وحتى فى مجال الأدب لم يقدم لنا المعنى بقدر ما قدم لنا السجع والمحسنات والبديعيات اللفظية.ولامفر من الاعتراف بأن سوء العلاقة بين السلطة والمفكر العربى هو أحد عوامل تخلفنا عن مواكبة الفكر العالمى المتطور..إن مايلاقيه المفكر العربى من قمع وضغط وبطش لايأتيه من جانب السلطة فقط وإنما يأتيه في معظم الأحيان من جانب المجتمع نفسه.

أما فيمايتعلق بالسلطة فالسبيل واحد ومعروف للجميع وهو أن يكون الحاكم منتخبا من شعبه بحيث يسقطه حين يريد،وأن تعمل مؤسسات الأمةكلها تحت راية الديموقراطية..حينئذ يكون المفكر عوناللسلطة وتكون السلطة عونا للمفكر على تحقيق آمال الأمة.وأما فيمايتعلق بالمجتمع الذى توارث الاستبداد وحكم الفرد عبر حقب طويلة من الزمان وانطوى على الجمود والاستكانة،قانعا بما يحدث له مكتفيا بالشكوى الى الله،فقد عجز عن بلورة هوية ثقافية أصيلة تعبر عن ذاتيته ويستطيع من خلالها أن يواجه الثقافات الرجعية الوافدة:ثقافات الفكر الأوحد والنظرة النفقية "
tunnel vision" وامتلاك الحقيقة المطلقة وتكفير الرأى المخالف..تلك الثقافة التى دفعت أميا جاهلا الىطعن نجيب محفوظ بسبب رواية لايعرف ولايمكن أن يفهم عنها شيئا، والتى فرقت بين الدكتور نصر حامد ابو زيد وبين زوجته ولفظته خارج وطنه لمجرد أنه قدم اجتهادات نظرية حول تأويل النص ، والتى دفعت سيد القمنى هذه الأيام الى اعلان انكاره لكل ماقاله وتبرئه من كل ما كتبه حفاظاعلى حياته من التهديد الارهابى بقتله..انه يذكرنى ببراعة جاليليو في الافلات من عقوبة محاكم التفتيش حين أعلن إنكاره لرأيه عن دوران الأرض حول الشمس،وكذلك بابن رشد حين ابتكر فكرة الحقيقة المزدوجة عن الجمع بين الدين والعقل بدلا من إعلاء العقل على الدين حتى ينجو بجلده من تهمة الهرطقة أو الزندقة أو الاشتغال بالفلسفة.

إذن فالمصالحة بين المفكر العربى وبين السلطة من جهة والمجتمع من جهة أخرى تصبح رهينة إصلاح جذرى ينبغى أن يسير في الاتجاهين،ولكن من الواضح أن كلا من الطريقين في الوقت الراهن أشد وعورة من الآخر،لأن السلطة تسخر الإعلام في خدمة الترويج لمصالحها ولسياساتها الفاشلة في أغلب الأحيان،ولأن المجتمع الذى يعانى من الأمية الكتابية والأمية الثقافية قد تدهور وانفصم على نفسه بين أصولية تشده الى الماضى وتغريب يفقده هويته،فخلط بين المطلق والنسبى وتاه بين الماضى والحاضر والمستقبل، بينما انطلقت الى الأمام دول ليس لها ماض عريق تمحكت في ماضى غيرها..فأوروبا التى بدأت نهضتها ق15و16 تستند في هذه النهضة الى التراث اليونانى الذى لم تشارك فيه بمثقال ذرة قبل أن ينقله اليها العرب ،ولقد شهد شاهد من أهلهاوهو"وايتهيد"الذى قال "الصناعة من مصر والدين من فلسطين والفلسفة من اليونان"كما شهد المستشرق جورج ساتون بقوله"لولا محنة المغول ثم انحسار الفكر العلمى في المشرق لكانت حضارة أوروبا التى يتباهى بها الغرب منذ عصر النهضة من نصيب مفكرى الاسلام".

ونعود من حيث بدأنا حول العلاقة المتأزمة بين الاسلام والغرب خاصة منذ أحداث11سبتمبر، لنبحث عن حل تصالحى بينهما يعيد السلام الىالعالم قبل أن يغرق فىالمزيد من الدماء.إن أفضل السبل للوصول الى هذا التصالح هو نبذ الفكر التآمرى وعدم التركيز على الجوانب السلبية من الخلاف والتى تقوم على صراع الرفض والكراهية..ومن هذا المنطلق فأنا أرفض دعوة هنتنجنون العنصرية الى العداء والكراهية بين الحضارات شكلا ومضمونا وجملة وتفصيلا كما عبر عنها بوضوح في كتابه.وفى نفس الوقت أتمسك بدعوة نيكسون الرائعة في كتابه بقوله"ان الوقت قد حان بالنسبة للغرب للاسهام في نهضة العالم الاسلامى كما أسهم العالم الاسلامى من قبل في نهضة الغرب، وإذا سعينا الى حل القضايا الأمنية الصعبة التى تعصف بالشرق الأوسط،وإذا عملنا معا ودمجنا الأفضل من حضارتينا فإن الفترة القادمة من تاريخنا ستكون فترة تعاون بناء لانزاع مدمر."

المشكلة انه من بعد احداث سبتمبر اختزلت أمريكا الصراع بين حضارة الغرب والحضارات الأخرى التى ذكرها هنتنجتون، الى صراع واحد بين الغرب والاسلام..هذا الدين البرىء من تلك الجرائم البربرية اللاانسانية ..هذا الدين الذى يقول"وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا"لالتتقاتلوا وتتناحروا..ورغم تعاطفى الشديد-كمثقف عربى- مع ضحايا11سبتمبر وتفجيرات لندن وشرم الشيخ،الا أننى-وكثيرون مثلى-نهيب بأمريكا أن تعدل من مواقفها غير العادلة في بعض القضايا التى تثير عليهاثائرة العرب وغيرهم من الأمم بما فيها أوروبا وأمريكا نفسها،وأن تفصل بين المقاومة المشروعة للاحتلال الأجنبى وبين الارهاب الذى لادين له ولاوطن ولامنطق ولارحمة ولاانسانية.اننى أتمنى أن تستعيد أمريكا العالم وأن يستعيد العالم أمريكا نصيرة الحرية والديموقراطية التى عرفناها منذ كانت..ولقد أسعدنى الحظ بزيارة أمريكا في الثمانينيات فأحببت شعبها وعشقت الحرية التى يتمتع بها.. ويسعدنى أن أختم حديثى بالمثل الشعبى المصرى القديم الذى يقول:"من حبنا حبيناه وصار متاعنا متاعه ومن كرهنا كرهناه ويحرم علينا اجتماعه"

لا يدان المرء بشيءٍ ليس به .. ولا خلق بالناس معصوم الزلل

كثيرا منا يسمع بنظرية الاتصال عند جاكبسون والتي نقلها من الإعلام إلى ميدان الأدب ، ولكن البعض منا لم يقرأها واطلع عليها .. لذلك نقلتها لكم هنا من باب الاستفادة ولما تمثله هذه النظرية من أهمية في عالم النقد الحديث ، وذلك فيما جاء عنها في كتاب الدكتور عبدالله الغذامي (الخطيئة والتكفير) رغبة في ثراء ثقفتنا جميعا 

(النص هو محور الأدب الذي فعاليته لغوية انحرفت عن العادة والتقليد ، وتلبست بروح متمردة رفعتها عن سياقها الاصطلاحي إلى سياق جديد يخصها ويميزها .
وخير وسيلة للنظر في حركة النص الأدبي ، وسبل تحرره ، هي الانطلاق من مصدره اللغوي ، حيث كان مقولة لغوية أسقطت في إطار اللفظي البشري ، كما يشخصها رومان جاكبسون في نظريةالاتصال وعناصرها الستة التي تغطى كافة وظائفها اللغة ، بما فيها الوظيفة الأدبية .
فالقول يحدث من (مرسل) يرسل (رسالة) إلى (مرسل إليه) . ولكي يكون ذلك علميا ، فإنه يحتاج إلى ثلاثة أشياء هي :
1- (سياق) وهو المرجع الذي يحال إليه المتلقي كي يتمكن من إدراك مادة القول ويكون لفظيا أو قابلا لشرح اللفظي .
2- (شفرة) وهي الخصوصية الأسلوبية لنص الرسالة . ولا بد لهذه الشفرة أن تكون معروفة بين (المرسل) و(المرسل إليه) تعارفا كليا أو على الأقل تعارفا جزئيا .
3- (وسيلة اتصال) سواء حسية أو نفسيه للربط بين الباعث والمتلقي لتمكنهما من الدخول والبقاء على (اتصال) .
والذي يهمنا هو الوظيفة الأدبية ، وذلك حين يصبح القول اللغوي أدبا ، وهو تحول فني يحدث للقول بنقله من الاستعمال النفعي إلى الأثر الجمالي .
يحدث ذلك من خلال حركة ارتدادية ، فالرسالة – كقول لغوي – تتجه عادة بحركة سريعة من باعثها إلى متلقيها وغايتها هي نقل الفكرة ، وإذا ما فهم المتلقي ذلك انتهى دور المقولة عندئذ ، ولكن في حالة (القول الأدبي) تنحرف (الرسالة) عن خطها بحيث لا يصبح (المرسل) باعثا ، و (المرسل إليه) متلقيا .
ويتحول القول اللغوي من (رسالة) إلى (نص) ولا يصبح هدفها (نقل الأفكار) أو المعاني بين طرفي الرسالة ، ولكنها تتحول لتصبح غاية في نفسها ، وهدفها هو غرس وجودها الذاتي في عالمها الخاص بها وهو جنسها الأدبي الذي يحتويها .
وهذا التوجه يتعقد في أطوار تكوّنه ويجلب إليه عناصر أخرى مهمة مثل عنصر (السياق) و (الشفرة) .
فالسياق عند جاكبسون هو الطاقة المرجعية التي يجري القول من فوقها ، فتمثل خلفية للرسالة تمكن المتلقي من تفسير المقولة وفهمها . فالسياق إذن هو الرصيد الحضاري للقول وهو مادة تغذيته بوقود حياته وبقائه . ولا تكون (الرسالة) بذات وظيفة إلا إذا أسعفها (السياق) بأسباب ذلك ووسائله . وكل نص أدبي هو حالة انبثاق من نصوص تماثله في جنسه الأدبي .
ولذلك فإن (الرسالة) في تحولها إلى (نص) تأخذ معها (السياق) وتحل فيه ليساعد على تحويل توجهها إلى داخل نفسها ، ولكن هذه العملية تحمل خطورة كبيرة على مصير (الرسالة) ، وذلك لأن السياق أكبر وأضخم من الرسالة ، وهو أسبق منها إلى الوجود .
فالسياق كتقليد أدبي راسخ قد يتغلب على (النص) ويجعله مجرد محاكاة لما سبقه من نصوص مماثله . ولو حدث هذا – وكثيرا ما يحدث – فأن النص سيسقط ويصبح نصا فاشلا كتقليد مفضوح ، ولا بد هنا من ذكاء (المرسل) الذي هو المبدع كي ينقذ النص من السقوط . وخير السبل لذلك هو الاستعانة بـ (الشفرة) .
والشفرة هي اللغة الخاصة بالسياق ، أي إنها الأسلوب الخاص بالجنس الأدبي الذي ينتمي إليه النص الأدبي . ولشفرة خاصية إبداعية فريدة ، فهي قابلة لتجدد والتغير والتحول ، حتى وإن ظلت داخل سياقها . بل إن المبدع نفسه – كفرد – قادر على ابتكار شفرته التي تحمل خصائصه هو جنبا إلى جنب مع خصائص شفرة السياق الخاصة بجنسه الأدبي الذي أبدع فيه .
ولكن تغير الشفرة لو اطرد وشاع في جيل تتضافر إبداعاته في تكوين شفرة تتميز عن سوابقها حتى لتختلف عنها ، فإننا عند ذلك سنكون على مشهد من ولادة سياق جديد ينبثق من محصلة تغير الشفرة الواسع . وذلك ما حدث في تكوين سياق (الشعر الحر) في الأدب العربي الحديث)) .

كتبهاعبدالله الدحيلان


محاولة الإيقاع بين الأديان





هناك العديد من الأديان السماويّة التي قد إنتشرت في جميع أنحاء العالم، وتوجد إختلافات كثيرة بين هذه الأديان، فنجد إختلافاً على مستوى التّوحيد مثلاً، وأخرى على مستوى الوظائف التي يجب القيام بها، وثالثاً في كيفيّة الحساب ويوم القيامة، إلّا أنّ الأديان السماويّة ـ على إختلافها الشاسع ـ تشترك جميعها في عدّة أمورٍ، أهمّما وجوب القيام بأعمال معيّنة وإكتسابها، وهذه الأعمال تتمثّل بالقيم.


نعم إنّ تحديد مفهوم القيم ومقدارها وكيفيّة سلوكها، تختلف من دينٍ إلى آخر، إلّا أنّ الذي يهمّنا هو كونها جميعاً تشترك في أصل وجود قيمٍ يجب الحفاظ عليها ومراعاتها، فلا يحقّ لأفراد تلك الأديان القيام بما يحلو لهم ومتى وكيف. وليس هذا من باب الإجبار والظلم والتّسلط، وإنّما يدّعي أصحاب الأديان أنّها لمصلحة الفرد والمجتمع وللحفاظ عليهما، وهذا الأمر واضح جدّاً، فإنّ الفرد مع عدم إلتزامه بأيّ قيمٍ سيصبح كالحيوان وسينعكس الأمر سلبيّاً عليه وعلى مجتمعه، بل ستصبح حياة البشر أشبه بحياة الغابة. وهذا هو ديدن العقلاء في حياتهم ـ حتى الذين لا يؤمنون بدين ـ فإنّهم يرون وجوب وجود نظام يحفظ الفرد والمجتمع من الفوضى، ويضمن لهما الأمن والإستقرار، ولأجل ذلك تقوم الدّول بوضع القوانين والأحكام الجزائيّة وغيرها، وإلزام شعبها بما تراه مناسباً لمصلحتهم.

إذن فمن المسلّم أنّ الإلتزام بالقيم والقوانين أمرٌ طبعيّ وضروريّ في حياة البشر! إلّا أنّنا مع ذلك نجد على مرّ التاريخ، أنّ الأديان السماويّة ـ على إختلافها ـ حوربت من قِبل أصحاب السلطة والحكم والجبابرة، فهل كلّ هذا العداء من هؤلاء لمختلف الأديان، كان فعلاً بسبب عدم صلاحيّة تلك الأديان لتنظيم حياة البشر، وأنّ القيم التي كانت تدعو لها، كانت لا تتناسب مع مصلحة المجتمع، أم أنّ المعادين والمحاربين للأديان لم يكونوا عقلاء، فلم يدركوا مدى حاجة الناس والبشريّة للقيم والإلتزام بالقوانين؟

والصحيح: أنّ لا هذا ولا ذاك هو الحقّ، فإنّه لا يمكن إقناع أحدٍ بأنّ كلّ تلك الأديان السماويّة كانت فاسدة ولم تكن تشتمل على قيمٍ وأخلاقٍ وقوانين صالحة للبشريّة. ولو وجد بعض الخلل فيها، لكان الأولى معالجتها بدلاً من محاربتها بشكلٍ مطلق. وكذلك لا يمكن إقناع العالم بأنّ كلّ السلاطين والحكّام كانوا ضعفاء العقل بحيث لا يدركون حقيقة لزوم وجود قيمٍ يلتزم بها. وإلّا كيف وصل هؤلاء ـ ضعفاء العقول ـ إلى الحكم والسلطة؟

والحقيقة أنّه لا شكّ في كون كلّ الأديان تشتمل على قدرٍ كبيرٍ من القيم والإلتزامات المحقّة، وأنّ الكثير من السلاطين وأصحاب الحكم كانوا عقلاء، بل حكماء ويدركون جيّداً ضرورة القيم على حياة الإنسان، بل ضرورة الدّين أيضاً، إلّا أنّ المشكلة في إجتماع الدّين الذي أراده الله تعالى مع الدّنيا التي أرادها هؤلاء الجبابرة، حيث إنّ الله تعالى أراد للإنسان أن يكون حرّاً صاحب كرامة وعزّة، وأراد نشر العدل بين الناس، وهذا بالطّبع لا يجتمع مع أهواء ورغبات الطواغيت الذين أرادوا السيطرة على البشر وخيراتهم، والحصول على الملك لأنفسهم لا لخدمة الناس ونشر العدالة!

فكان هذا هو السبب الأساسيّ في نشر الفتنة والعداوة بين مختلف الأديان السماويّة وإظهارها بصورة بشعة، وكأنّها تسعى للسيطرة على عقول الناس فحسب، وذلك لإبعاد الناس عنها وعدم إلتزامهم بالقيم، وبعد إبتعاد الناس عن الأديان وعدم وجود مّن يوجّههم إلى طريق الحقّ، يأتي دور السلاطين وأتباعهم لتوجيه الناس وإخضاعهم لرغباتهم الشخصيّة، وعدم تمكّن الناس من مواجهتهم، وبذلك يضمنون ملكهم على حساب العدالة والحرّيّة والكرامة!

وفي عصرنا الحاضر لم يتغيير المشهد عن سابقه، فلا زالت السلاطين تحارب الأديان بمختلف أنواع الخدع والفتن، وعلى رأس هؤلاء السلاطين ـ الولايات المتّحدة الأمريكيّة ـ، فكم من بلدٍ كان آمناً يعيش أهله بسلام ومحبّة وعيشٍ مشتركٍ فيما بين المسلمين والمسيحيين، وبين المسلمين أنفسهم، فأوقعت بينهم وسلّمت الأسلحة المدمّرة لكلا الطرفين، لأنّه ليس من مصلحتها فوز أحد وسيطرته، بل هدفها الوحيد إضعافهما وتمكّنها من السيطرة عليهما معاً وعلى خيراتهما. فهذه ـ العراق ـ التي كانت تعيش الظلم من قِبل الطاغية ـ صدّام ـ إلّا أنّها لم تكن يوماً تعرف الإقتتال الدّاخلي، بل كان شعبها ـ السّنيّ والشيعيّ، والمسلم والمسيحيّ ـ يعيشون حياة مشتركة، وكان الواحد منهم يحترم الآخر، وبعد دخول الجيش الأمريكي المحتل إلى بلدهم، عانى ذلك الشعب الأمرّين من ظلمٍ وقتلٍ ومن فتنةٍ بين أديانه المختلفة، والنّتيجة أنّ كلّ الأطراف خرجت خاسرة وخلّفت دماراً شاسعاً ـ على المستوى الإقتصاديّ والرّوحي والتّعاطي بين الشعب الواحد ـ يحتاج ترميمه إلى سنواتٍ طويلة.



عقيدة أهل السنة والجماعة


إعداد الندوة العالمية للشباب الإسلامي
 
التعريف:

أهل السنة والجماعة هم الفرقة الناجية والطائفة المنصورة الذين أخبر النبي صلى الله عنهم بأنهم يسيرون على طريقته وأصحابه الكرام دون انحراف ؛ فهم أهل الإسلام المتبعون للكتاب والسنة ، المجانبون لطرق أهل الضلال . كما قال صلى الله عليه وسلم : " إن بني إسرائيل افترقوا على إحدى وسبعين فرقة ، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة ، كلها في النار إلا واحدة " فقيل له : ما الواحدة ؟ قال : " ما أنا عليه اليوم وأصحابي " . حديث حسن أخرجه الترمذي وغيره .

وقد سموا " أهل السنة " لاستمساكهم واتباعهم لسنة النبي صلى الله عليه وسلم . وسموا بالجماعة ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في إحدى روايات الحديث السابق : " هم الجماعة " . ولأنهم جماعة الإسلام الذي اجتمعوا على الحق ولم يتفرقوا في الدين، وتابعوا منهج أئمة الحق ولم يخرجوا عليه في أي أمر من أمور العقيدة . وهم أهل الأثر أو أهل الحديث أو الطائفة المنصورة أو الفرقة الناجية.
أصول عقيدة أهل السنة والجماعة:
 هي أصول الإسلام الذي هو عقيدة بلا فِرَق ولا طرق ولذلك فإن قواعد وأصول أهل السنة الجماعة في مجال التلقي والاستدلال تتمثل في الآتي:

ـ مصدر العقيدة هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع (*) السلف الصالح.

ـ كل ما ورد في القرآن الكريم هو شرع للمسلمين وكل ما صَحَّ من سنة رسول (*) الله صلى الله عليه وسلم وجب قبوله وإن كان آحادًا (*).

ـ المرجع في فهم الكتاب والسنة هو النصوص التي تبينها، وفهم السلف الصالح ومن سار على منهجهم.

ـ أصول الدين كلها قد بينها النبي صلى الله عليه وسلم فليس لأحد تحت أي ستار، أن يحدث شيئًا في الدين (*) زاعمًا أنه منه.

ـ التسليم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ظاهرًا وباطنًا فلا يعارض شيء من الكتاب أو السنة الصحيحة بقياس ولا ذوق ولا كشفٍ (*) مزعوم ولا قول شيخ موهوم ولا إمام ولا غير ذلك.

ـ العقل (*) الصريح موافق للنقل الصحيح ولا تعارض قطعيًّا بينهما وعند توهم التعارض يقدم النقل على العقل.

ـ يجب الالتزام بالألفاظ الشرعية في العقيدة وتجنب الألفاظ البدعية.

ـ العصمة ثابتة لرسول (*) الله صلى الله عليه وسلم ، والأمة في مجموعها معصومة من الاجتماع على ضلالة، أما آحادها فلا عصمة لأحد منهم، والمرجع عند الخلاف يكون للكتاب والسنة مع الاعتذار للمخطئ من مجتهدي الأمة.

ـ الرؤيا الصالحة حق وهي جزء من النبوة (*) والفراسة الصادقة حق وهي كرامات (*) ومبشرات ـ بشرط موافقتها للشرع ـ غير أنها ليست مصدرًا للعقيدة ولا للتشريع.

ـ المراء في الدين (*) مذموم والمجادلة بالحسنى مشروعة، ولا يجوز الخوض فيما صح النهي عن الخوض فيه.

ـ يجب الالتزام بمنهج (*) الوحي في الرد، ولا ترد البدعة (*) ببدعة ولا يقابل الغلو (*) بالتفريط ولا العكس.

ـ كل محدثة في الدين بدعة وكل بدعة ضلالة و كل ضلالة في النار.
• التوحيد العلمي الاعتقادي:

ـ الأصل في أسماء الله وصفاته: إثبات ما أثبته الله تعالى لنفسه أو أثبته له رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير تمثيل (*)؛ ولا تكييف (*)؛ ونفي ما نفاه الله تعالى عن نفسه أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف (*) ولا تعطيل (*)، كما قال تعالى: (ليس كمِثْلِه شيءٌ وهو السميع البصير) مع الإيمان بمعاني ألفاظ النصوص، وما دلّت عليه.

ـ الإيمان بالملائكة الكرام إجمالاً، وأما تفصيلاً، فبما صحّ به الدّليل من أسمائهم وصفاتهم، وأعمالهم بحسب علم المكلف.

ـ الإيمان بالكتب المنزلة جميعها، وأن القرآن الكريم أفضلها، وناسخها، وأن ما قبله طرأ عليه التحريف، وأنه لذلك يجب إتباعه دون ما سبقه.

ـ الإيمان بأنبياء الله، ورسله ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ وأنهم أفضل ممن سواهم من البشر، ومن زعم غير ذلك فقد كفر (*).

ـ الإيمان بانقطاع الوحي (*) بعد محمد صلى الله عليه وسلم وأنه خاتم الأنبياء والمرسلين، ومن اعتقد خلاف ذلك كَفَر.

ـ الإيمان باليوم الآخر، وكل ما صح فيه من الأخبار، وبما يتقدمه من العلامات والأشراط.

ـ الإيمان بالقدر، خيره وشره من الله تعالى، وذلك: بالإيمان بأن الله تعالى علم ما يكون قبل أن يكون وكتب ذلك في اللوح المحفوظ، وأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فلا يكون إلا ما يشاء، والله تعالى على كل شيء قدير وهو خالق كل شيء، فعال لما يريد.

ـ الإيمان بما صحّ الدليل عليه من الغيبيات، كالعرش والكرسي، والجنة والنار، ونعيم القبر وعذابه، والصراط والميزان، وغيرها دون تأويل (*) شيء من ذلك.

ـ الإيمان بشفاعة النبي (*) صلى الله عليه وسلم وشفاعة الأنبياء والملائكة، والصالحين، وغيرهم يوم القيامة. كما جاء تفصيله في الأدلة الصحيحة.

ـ رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة في الجنة وفي المحشر حقّ، ومن أنكرها أو أوَّلها فهو زائغ ضال، وهي لن تقع لأحد في الدنيا.

ـ كرامات (*) الأولياء (*) والصالحين حقّ، وليس كلّ أمر خارق للعادة كرامة، بل قد يكون استدراجًا. وقد يكون من تأثير الشياطين والمبطلين، والمعيار في ذلك موافقة الكتاب والسنة، أو عدمها.

ـ المؤمنون كلّهم أولياء الرحمن، وكل مؤمن فيه من الولاية بقدر إيمانه.
• التوحيد الإرادي الطلبي (توحيد الألوهية).

ـ الله تعالى واحد أحد، لا شريك له في ربوبيته، وألوهيته، وأسمائه، وصفاته وهو رب العالمين، المستحق وحده لجميع أنواع العبادة.

ـ صرف شيء من أنواع العبادة كالدعاء، والاستغاثة، والاستعانة، والنذر، والذبح، والتوكل، والخوف، والرجاء، والحبّ، ونحوها لغير الله تعالى شرك أكبر، أيًّا كان المقصود بذلك، ملكًا مُقرّبًاً، أو نبيًّا مرسلاً، أو عبدًا صالحًا، أو غيرهم.

ـ من أصول العبادة أن الله تعالى يُعبد بالحبّ والخوف والرجاء جميعًا، وعبادته ببعضها دون بعض ضلال.

ـ التسليم والرضا والطاعة المطلقة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم والإيمان بالله تعالى حَكَمًا من الإيمان به ربًّا وإلهًا، فلا شريك له في حكمه وأمره .

وتشريع ما لم يأذن به الله، والتحاكم إلى الطاغوت (*)، واتباع غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم وتبديل شيء منها كفر(*)، و من زعم أن أحدًا يسعه الخروج عنها فقد كفر.

ـ الحكم بغير ما أنزل الله كفر أكبر، وقد يكون كفرًا دون كفر.

فالأول كتجويز الحكم بغير شرع الله ، أو تفضيله على حكم الله ، أو مساواته به ، أو إحلال ( القوانين الوضعية ) بدلا عنه .

والثاني العدول عن شرع الله، في واقعة معينة لهوى مع الالتزام بشرع الله.

ـ تقسيم الدين إلى حقيقة يتميز بها الخاصة وشريعة تلزم العامة دون الخاصة، وفصل السياسة أو غيرها عن الدين (*) باطل؛ بل كل ما خالف الشريعة (*) من حقيقة أو سياسة أو غيرها، فهو إما كفر (*)، وإما ضلال، بحسب درجته.

ـ لا يعلم الغيب إلا الله وحده، واعتقاد أنّ أحدًا غير الله يعلم الغيب كُفر، مع الإيمان بأن الله يُطْلع بعض رسله على شيء من الغيب.

ـ اعتقاد صدق المنجمين (*) والكهان (*) كفر، وإتيانهم والذهاب إليهم كبيرة (*).

ـ الوسيلة المأمور بها في القرآن هي ما يُقرّب إلى الله تعالى من الطاعات المشروعة.
ـ والتوسل ثلاثة أنواع: 
1 ـ مشروع: وهو التوسل إلى الله تعالى، بأسمائه وصفاته، أو بعمل صالح من المتوسل، أو بدعاء الحي الصالح.
2 ـ بدعي: وهو التوسل إلى الله تعالى بما لم يرد في الشرع، كالتوسل بذوات الأنبياء، والصالحين، أو جاههم، أو حقهم، أو حرمتهم، ونحو ذلك.
3 ـ شركي: وهو اتخاذ الأموات وسائط في العبادة، ودعاؤهم وطلب الحوائج منهم والاستعانة بهم ونحو ذلك.

ـ البركة من الله تعالى، يَخْتَصُّ بعض خلقه بما يشاء منها، فلا تثبت في شيء إلا بدليل. وهي تعني كثرة الخير وزيادته، أو ثبوته لزومه.

والتبرك من الأمور التوقيفية، فلا يجوز التبرك إلا بما ورد به الدليل.
ـ أفعال الناس عند القبور وزيارتها ثلاثة أنواع:
1 ـ مشروع: وهو زيارة القبور؛ لتذكّر الآخرة، وللسلام على أهلها، والدعاء لهم.
2 ـ بدعي يُنافي كمال التوحيد، وهو وسيلة من وسائل الشرك، وهو قصد عبادة الله تعالى والتقرب إليه عند القبور، أو قصد التبرك بها، أو إهداء الثواب عندها، والبناء عليها، وتجصيصها وإسراجها، واتخاذها مساجد، وشدّ الرّحال إليها، ونحو ذلك مما ثبت النهي عنه، أو مما لا أصل له في الشرع.
3 ـ شركيّ ينافي التوحيد، وهو صرف شيء من أنواع العبادة لصاحب القبر، كدعائه من دون الله، والاستعانة والاستغاثة به، والطواف، والذبح، والنذر له، ونحو ذلك.

ـ الوسائل لها حكم المقاصد، وكل ذريعة إلى الشرك في عبادة الله أو الابتداع في الدين يجب سدّها، فإن كل محدثة في الدين بدعة (*). وكل بدعة ضلالة.
• الإيمان:

ـ الإيمان قول، وعمل، يزيد، وينقص، فهو: قول القلب واللسان، وعمل القلب واللسان والجوارح. فقول القلب: اعتقاده وتصديقه، وقول اللسان: إقراره. وعمل القلب: تسليمه وإخلاصه، وإذعانه، وحبه وإرادته للأعمال الصالحة.

وعمل الجوارح: فعل المأمورات، وترك المنهيات.

ـ مرتكب الكبيرة (*) لا يخرج من الإيمان، فهو في الدنيا مؤمن ناقص الإيمان، وفي الآخرة تحت مشيئة الله إن شاء غفر له وإن شاء عذبه، والموحدون كلهم مصيرهم إلى الجنة وإن عذِّب منهم بالنار من عذب، ولا يخلد أحد منهم فيها قط.

ـ لا يجوز القطع لمعيَّن من أهل القبلة بالجنة أو النار إلا من ثبت النص في حقه.

ـ الكفر(*) من الألفاظ الشرعية وهو قسمان: أكبر مخرج من الملة، وأصغر غير مخرج من الملة ويسمى أحيانًا بالكفر العملي.

ـ التكفير(*) من الأحكام الشرعية التي مردها إلى الكتاب والسنة، فلا يجوز تكفير مسلم بقول أو فعل ما لم يدل دليل شرعي على ذلك، ولا يلزم من إطلاق حكم الكفر على قول أو فعل ثبوت موجبه في حق المعيَّن إلا إذا تحققت الشروط وانتفت الموانع. والتكفير من أخطر الأحكام فيجب التثبت والحذر من تكفير المسلم ، ومراجعة العلماء الثقات في ذلك .
• القرآن والكلام:

القرآن كلام الله (حروفه ومعانيه) مُنزل غير مخلوق؛ منه بدأ؛ وإليه يعود، وهو معجز دال على صدق من جاء به صلى الله عليه وسلم. ومحفوظ إلى يوم القيامة.
• القدر:

من أركان الإيمان، الإيمان بالقدر(*) خيره وشره، من الله تعالى، ويشمل:

ـ الإيمان بكل نصوص القدر ومراتبه؛ (العلم، الكتابة، المشيئة، الخلق)، وأنه تعالى لا رادّ لقضائه، ولا مُعقّب لحكمه.

ـ هداية العباد وإضلالهم بيد الله، فمنهم من هداه الله فضلاً. ومنهم من حقت عليه الضلالة عدلاً.

ـ العباد وأفعالهم من مخلوقات الله تعالى، الذي لا خالق سواه، فالله خالقٌ لأفعال العباد، وهم فاعلون لها على الحقيقة.

ـ إثبات الحكمة في أفعال الله تعالى، وإثبات الأسباب بمشيئة الله تعالى.
• الجماعة والإمامة:

ـ الجماعة هم أصحاب النبي (*) صلى الله عليه وسلم، والتابعون لهم بإحسان، المتمسكون بآثارهم إلى يوم القيامة، وهم الفرقة الناجية.

ـ وكل من التزم بمنهجهم (*) فهو من الجماعة، وإن أخطأ في بعض الجزئيات.

ـ لا يجوز التفرّق في الدين (*)، ولا الفتنة بين المسلمين، ويجب ردّ ما اختلف فيه المسلمون إلى كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما كان عليه السلف الصالح.

ـ من خرج عن الجماعة وجب نصحه، ودعوته، ومجادلته بالتي هي أحسن، وإقامة الحجة عليه، فإن تاب وإلا عوقب بما يستحق شرعًا.

ـ إنما يجب حمل الناس على الجُمَل الثابتة بالكتاب، والسنة، والإجماع (*)، ولا يجوز امتحان عامة المسلمين بالأمور الدقيقة، والمعاني العميقة.

ـ الأصل في جميع المسلمين سلامة القصد المعتقد، حتى يظهر خلاف ذلك، والأصل حمل كلامهم على المحمل الحسن، ومن ظهر عناده وسوء قصده فلا يجوز تكلّف التأويلات له.

ـ الإمامة الكبرى تثبت بإجماع الأمة، أو بيعة ذوي الحل والعقد منهم، ومن تغلّب حتى اجتمعت عليه الكلمة وجبت طاعته بالمعروف، ومناصحته، وحرم الخروج عليه إلا إذا ظهر منه كفر(*) بواح فيه من الله برهان.وكانت عند الخارجين القدرة على ذلك .

ـ الصلاة والحج والجهاد(*) واجبة مع أئمة المسلمين وإن جاروا.

ـ يحرم القتال بين المسلمين على الدنيا، أو الحمية الجاهلية (*)؛ وهو من أكبر الكبائر(*)، وإنما يجوز قتال أهل البدعة (*) والبغي، وأشباههم، إذا لم يمكن دفعهم بأقل من ذلك، وقد يجب بحسب المصلحة والحال.

ـ الصحابة الكرام كلهم عدول، وهم أفضل هذه الأمة، والشهادة لهم بالإيمان والفضل أصل قطعي معلوم من الدين بالضرورة، ومحبّتهم دين وإيمان، وبغضهم كفر ونفاق، مع الكفّ عما شجر بينهم، وترك الخوض فيما يقدح في قدرهم.

وأفضلهم أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، وهم الخلفاء الراشدون. وتثبت خلافة كل منهم حسب ترتبيهم.

ـ من الدين محبة آل بيت رسول (*) الله صلى الله عليه وسلم وتولّيهم، وتعظيم قدر أزواجه ـ أمهات المؤمنين، ومعرفة فضلهن، ومحبة أئمة السلف، وعلماء السنة والتابعين لهم بإحسان ومجانبة أهل البدع والأهواء.

ـ الجهاد (*) في سبيل الله ذورة سنامِ الإسلام، وهو ماضٍ إلى قيام الساعة.

ـ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم شعائر الإسلام. وأسباب حفظ جماعته، وهما يجبان بحسب الطاقة، والمصلحة معتبرة في ذلك.
أهم خصائص وسمات منهج أهل السنة والجماعة
 أهل السنة والجماعة (*) هم الفرقة الناجية، والطائفة المنصورة وكما أن لهم منهجًا (*) اعتقاديًّا فإن لهم أيضًا منهجهم وطريقهم الشامل الذي ينتظم فيه كل أمر يحتاجه كل مسلم لأن منهجهم هو الإسلام الشامل الذي شرعه النبي (*) صلى الله عليه وسلم. وهم على تفاوت فيما بينهم، لهم خصائص وسمات تميزهم عن غيرهم منها:

ـ الاهتمام بكتاب الله: حفظًا وتلاوة، وتفسيرًا، والاهتمام بالحديث: معرفة وفهمًا وتمييزًا لصحيحه من سقيمه، (لأنهما مصدرا التلقي)، مع إتباع العلم بالعمل.

ـ الدخول في الدّين (*) كله، والإيمان بالكتاب كله، فيؤمنون بنصوص الوعد، ونصوص الوعيد، وبنصوص الإثبات، ونصوص التنزيه ويجمعون بين الإيمان بقدر الله، وإثبات إرادة العبد، ومشيئته، وفعله، كما يجمعون بين العلم والعبادة، وبين القُوّة والرحمة، وبين العمل مع الأخذ بالأسباب وبين الزهد.

ـ الإتباع، وترك الابتداع، والاجتماع ونبذ الفرقة والاختلاف في الدين.

ـ الإقتداء والاهتداء بأئمة الهدى العدول، المقتدى بهم في العلم والعمل والدعوة من الصحابة ومن سار على نهجهم، ومجانبة من خالف سبيلهم.

ـ التوسط: فَهُمْ في الاعتقاد وسط بين فرق الغلو(*) وفرق التفريط، وهم في الأعمال والسلوك وسط بين المُفرطين والمفرِطين.

ـ الحرص على جمع كلمة المسلمين على الحقّ وتوحيد صفوفهم على التوحيد والإتباع، وإبعاد كل أسباب النزاع والخلاف بينهم.

ـ ومن هنا لا يتميزون عن الأمة في أصول الدين باسم سوى السنة والجماعة، ولا يوالون (*) ولا يعادون، على رابطة سوى الإسلام والسنة.

ـ يقومون بالدعوة إلى الله الشاملة لكل شيء في العقائد والعبادات وفي السلوك والأخلاق (*) وفي كل أمور الحياة وبيان ما يحتاجه كل مسلم كما أنهم يحذرون من النظرة التجزيئية للدين فينصرون الواجبات والسنن كما ينصرون أمور العقائد والأمور الفرعية ويعلمون أن وسائل الدعوة متجددة فيستفيدون من كل ما جد وظهر ما دام مشروعًا. والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر بما يوجبه الشرع، والجهاد (*) وإحياء السنة، والعمل لتجديد الدين (*)، وإقامة شرع الله وحكمه في كل صغيرة وكبيرة ويحذرون من التحاكم إلى الطاغوت (*) أو إلى غير ما أنزل الله.

ـ الإنصاف والعدل: فهم يراعون حق الله ـ تعالى ـ لا حقّ النفس أو الطائفة، ولهذا لا يغلون في مُوالٍ، ولا يجورون على معاد، ولا يغمطون ذا فضل فضله أيًّا كان، ومع ذلك فهم لا يقدسون الأئمة والرجال على أنهم معصومون وقاعدتهم في ذلك: كلٌ يؤخذ من قوله ويرد إلا النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه لا عصمة إلا للوحي (*) وإجماع (*) السلف.

ـ يقبلون فيما بينهم تعدد الاجتهادات في بعض المسائل التي نقل عن السلف الصالح النزاع فيها دون أن يُضلل المخالف في هذه المسائل فهم عالمون بآداب الخلاف التي أرشدهم إليها ربهم جلّ وعلا ونبيهم صلى الله عليه وسلم.

ـ يعتنون بالمصالح والمفاسد ويراعونها، ويعلمون أن الشريعة (*) جاءت بتحصيل المصالح وتعطيل المفاسد وتقليلها، حيث درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.

ـ أن لهم موقفًا من الفتن عامة: ففي الابتلاء يقومون بما أوجب الله تعالى تجاه هذا الابتلاء.

ـ وفي فتنة الكفر يحاربون الكفر(*) ووسائله الموصلة إليه بالحجة والبيان والسيف والسنان بحسب الحاجة والاستطاعة.

ـ وفي الفتنة يرون أن السلامة لا يعدلها شيء والقعود أسلم إلا إذا تبين لهم الحق وظهر بالأدلة الشرعية فإنهم ينصرونه ويعينونه بما استطاعوا.

ـ يرون أن أصحاب البدع (*) متفاوتون قربًا وبعدًا عن السنة فيعامل كل بما يستحق ومن هنا انقسمت البدع إلى: بدع لا خلاف في عدم تكفير أصحابها مثل المرجئة (*) والشيعة (*) المفضلة، وبدع هناك خلاف في تكفير أو عدم تكفير أصحابها مثل الخوارج (*) والروافض (*)، وبدع لا خلاف في تكفير أصحابها بإطلاق مثل الجهمية (*) المحضة.

ـ يفرقون بين الحكم المطلق على أصحاب البدع عامة بالمعصية أو الفسق أو الكفر(*) وبين الحكم على المعين حتى يبين له مجانبة قوله للسنة وذلك بإقامة الحجة وإزالة الشبهة.

ـ ولا يجوزون تكفير أو تفسيق أو حتى تأثيم علماء المسلمين لاجتهاد (*) خاطئ أو تأويل بعيد خاصة في المسائل المختلف فيها.

ـ يفرقون في المعاملة بين المستتر ببدعته والمظهر لها والداعي إليها.

ـ يفرقون بين المبتدعة من أهل القبلة مهما كان حجم بدعتهم وبين من عُلم كفره بالاضطرار من دين الإسلام كالمشركين وأهل الكتاب وهذا في الحكم الظاهر على العموم مع علمهم أن كثيرًا من أهل البدع منافقون وزنادقة (*) في الباطن.

ـ يقومون بالواجب تجاه أهل البدع ببيان حالهم، والتحذير منهم وإظهار السنة وتعريف المسلمين بها وقمع البدع (*) بما يوجبه الشرع من ضوابط.

ـ يصلون الجمع والجماعات والأعياد خلف الإمام مستور الحال ما لم يظهر منه بدعة (*) أو فجور فلا يردون بدعة ببدعة.

ـ لا يُجٍوزون الصلاة خلف من يظهر البدعة أو الفجور مع إمكانها خلف غيره، وإن وقعت صحت، ويُؤَثِّمون فاعلها إلا إذا قُصد دفع مفسدة أعظم، فإن لم يوجد إلا مثله، أو شرّ منه جازت خلفه، ولا يجوز تركها، ومن حُكِمَ بكفره فلا تصح الصلاة خلفه.

ـ فِرقُ أهل القبلة الخارجة عن السنة متوعدون بالهلاك والنار، وحكمهم حكم عامة أهل الوعيد، إلا من كان منهم كافرًا في الباطن.

ـ والفرق الخارجة عن الإسلام كُفّار في الجملة، وحكمهم حكم المرتدين.
 ولأهل السنة والجماعة (*) أيضًا منهج (*) شامل في تزكية النفوس وتهذيبها، وإصلاح القلوب وتطهيرها، لأن القلب عليه مدار إصلاح الجسد كله وذلك بأمور منها:

ـ إخلاص التوحيد لله تعالى والبعد عن الشرك والبدعة مما ينقص الإيمان أو ينقصه من أصله.

ـ التعرف على الله جل وعلا بفهم أسمائه الحسنى وصفاته العلى ومدارستها وتفهم معانيها والعمل بمقتضياتها؛ لأنها تورث النفس الحب والخضوع والتعظيم والخشية والإنابة والإجلال لله تعالى .

ـ طاعة الله ورسوله بأداء الفرائض والنوافل كاملة مع العناية بالذكر وتلاوة القرآن الكريم والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والصيام وإيتاء الزكاة وأداء الحج والعمرة وغير ذلك مما شرع الله تعالى.

ـ اجتناب المحرمات والشبهات مع البعد عن المكروهات.

ـ البعد عن رهبانية النصرانية والبعد عن تحريم الطيبات والبعد عن سماع المعازف والغناء وغير ذلك.

ـ يسيرون إلى الله تعالى بين الخوف والرجاء ويعبدونه تعالى بالحب والخوف والرجاء.
 ومن أهم سماتهم: التوافق في الأفهام، والتشابه في المواقف، رغم تباعد الأقطار والأعصار، وهذا من ثمرات وحدة المصدر والتلقي.

ـ الإحسان والرّحمة وحسن الخُلق مع الناس كافةً فهم يأتمون بالكتاب والسنة بفهم السلف الصالح في علاقاتهم مع بعضهم أو مع غيرهم.

ـ النصيحة لله ولكتابه ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم.

ـ الاهتمام بأمور المسلمين ونصرتهم، وأداء حقوقهم، وكفّ الأذى عنهم.

ـ موالاة المؤمن لإيمانه بقدر ما عنده من إيمان ومعاداة الكافر لكفره ولو كان أقرب قريب.
 لا يعد من اجتهد في بيان نوع من أصول أهل السنة مبتدعًا ولا مفرطًا ما دام لا يخالف شيئًا من أصول أهل السنة والجماعة (*).
 كل من يعتقد بأصول أهل السنة والجماعة ويعمل على هديها فهو من أهل السنة ولو وقع في بعض الأخطاء التي يُبدّع من خالف فيها.

هل يمكن استعادة السؤال السقراطي؟


محمد وقيدي (عن جريدة الاتحاد الاشتراكي) نذكر الفيلسوف اليوناني سقراط كلما عدنا إلى بداية الفلسفة،إذ ينسب إليه التحول في التفكير الإنساني الذي أسس هذا النمط من التفكير. ويكمن جوهر التحول الذي قام به سقراط في الانتقال بموضوع التفكير الفلسفي من الطبيعة إلى الإنسان. فقد انشغل الحكماء اليونانيون الذين سبقوا سقراط بالطبيعة محاولين البحث في العناصر التي يمكن إرجاعها إليها. لكن سقراط وجه التفكير نحو الإنسان الذي جعله الموضوع الأساسي للفلسفة، فانشغل التفكير الفلسفي بعد سقراط بحقيقة الإنسان ككائن، ثم بفعالياته الأخلاقية والمجتمعية والسياسية. اقتربت الفلسفة، بفضل توجهها الجديد الذي افتتحه سقراط، من الناس وصار لهم اهتمام بها، حتى ولو كان ذلك أحيانا عبر المواقف الناقدة لها والرافضة لطريقة طرحها لمشكلات الإنسان فردا ومجتمعا في نفس الوقت. شمل التحول الذي أحدثه سقراط في مسار الفلسفة طريقة التفكير أيضا. فقد صارت تلك الطريقة مرتكزة على السؤال الذي كان سقراط يضعه على من يحاورهم، وهو سؤال لم يكن صاحبه يدعي أنه ينطلق من يقين، أو أنه يريد من ورائه بلوغ يقين بصدد المسائل التي يتعلق بها. ولذلك كان السؤال محيرا بالنسبة لمن كانوا يتلقونه، بل ومقلقا لأنه يسائل ماكان لديهم من يقينات راسخة. كان سقراط ينتقي من حاورهم ووضع عليهم أسئلته المحيرة، فما يجمع بينهم أنهم حاملو يقينات تستند إلى علم وخبرة في المجال الذي كانت أسئلة سقراط تتجه إليه. سأل الغالم عن معايير بناء الحكم الحقيقي، وسأل الكاهن عن معنى التقوى، والقاضي عن معنى العدالة، وأحرج السفسطائيين مبينا تناقضاتهم. وفي كل مرة ظهر فيها السؤال السقراطي ظهر معه تهافت اليقينات التي كان يحملها بكل كبرياء من اختارهم لمحاورتهم. اصبح السؤال السقراطي محرجا بالنسبة لفئة خاصة من مواطني المجتمع في أثينا، هم بصفة خاصة ساسة المدينة ومن كانت لهم المكانة السامية فيها. انزعج هؤلاء من السؤال السقراطي الذي بدا لهم ساخرا من يقيناتهم التي كانت مصدر قوتهم في المجتمع. التف حول سقراط شباب المدينة الذين بهرتهم شخصيته الفريدة، والذين كان يتعلمون منه فن السؤال. ولم يكن سقراط معلما بأجر مثل السفسطائيين الذين كانوا يعلمون الناس فن الدفاع عن آرائهم وإفحام خصومهم دون أن يكون ما يشغلهم هو بلوغ حقيقة الموضوع الذي يبحثون فيه.ورغم أن السؤال السقراطي كان يقصد بدوره إلى إفحام من كان يحاورهم، وإلى تحويل اليقينات التي يأخذون بها إلى إشكالات، فإنه كان يهدف إلى تشكيكهم في الحقائق الزائفة التي يتبنونها ويدفع بهم إلى البحث عن أسس جديدة لتلك الحقائق. السؤال السقراطي مقلق بالنسبة لمن يتلقونه بما يخلقه لديهم من حيرة تبرم منها الكثيرون، ولكن سقراط صرح بأنه عبر سؤاله كان ينقل إلى الآخرين حيرة يعيشها هو نفسه. لم يترك سقراط أثرا مكتوبا نستطيع الاعتماد عليه اليوم للحديث عن مذهب فلسفي لسقراط، بل يبدو أكثر من ذلك، فإن الطريقة التي مارس بها سقراط وضع أسئلته تتعارض مع صفة المذهب التي يتخذ صيغة نسق فلسفي. ومع ذلك، فإن الفيلسوف الفرنسي أشار في كتابه امتداح الفلسفة إلى أن جميع الفلاسفة منذ بداية الفلسفة إلى اليوم يعترفون بالريادة في مجالهم لهذا الفيلسوف الذي لم يكتب شيئا رغم أن حضورهم كفلاسفة يستند إلى ما يتركونه من آثار مكتوبة. لقد دخلت الفلسفة، كما يبرز ذلك ميرلوبونتي العالم الأكاديمي، إذ فضلا عن اللجوء إلى المكتوب صار الفلاسفة في هذا الزمن بصفة خاصة، أساتذة للفلسفة في الجامعة. وقد ابتعد الفلاسفة بذلك عن سقراط، وذلك منذ تلميذه أفلاطون الذي عبر عن فكره عبر المحاورات التي كتبها والتي مجد فيها شخصية أستاذه وخلد آراءه وذكره في التاريخ. اسس أفلاطون الأكاديمية التي يتم فيها تعليم جميع العلوم وفي مقدمتها الفلسفة، ويكون أفلاطون بذلك قد تفلسف بطريقة مخالفة لطريقة أستاذه سقراط. لاننسى ضمن هذه الفقرة الموجزة عن سقراط أن نذكر المصير الذي لقيه هذا الفيلسوف الرائد. فقد قادت أسئلته المحيرة والمقلقة إلى توجيه دعوى ضده اتهمه فيها المدعون بالتواصل مع الشباب ودفعهم إلى عدم احترام نظام المدينة ومعتقداتها. وحوكم بهذه التهمة، وصوتت الأغلبية لصالح قتله بتجرع السم. وهكذا دفع سقراط حياته ثمنا لسؤاله الفلسفي. -2- ما عرضناه بإيجاز عن شخصية سقراط ومكانته ضمن الفكر الفلسفي اليوناني بصفة خاصة، والفكر الفلسفي بصفة عامة، يمهدنا للإجابة عن السؤال الذي نجيب عنه في هذه الدراسة ك: ماذا كان مصير السؤال الفلسفي بعد سقراط؟ وماذا كان مصير المنهج الذي توجه به سقراط إلى محاوريه؟ هناك أمر أكيد نعرفه من خلال تاريخ الفلسفة هو أن التفكير الفلسفي استمر بعد وفاة سقراط. وأكثر دلالة من ذلك على هذا الاستمرار أن حواريي هذا الفيلسوف، الذين حفظوا ذكراه، وكذلك تلميذه أفلاطون الذي لم يحضر مع أستاذه لحظة النهاية، ولكن الذي مجد أستاذه وخلد ذكراه من خلال المحاورات التي جعله الشخصية الأساسية فيها والتي حافظ العديد منها على الآراء السقراطية. ورثت الفلسفة عن سقراط أيضا ذلك الوضع الذي قاده إلى توجيه دعوى ضده ومحاكمته بسبب الآراء الفلسفية التي عبر عنها. فانطلاقا من تلميذه أفلاطون ذاته لم يكن الفلاسفة دائما في الوضع الذي يسمح لهم بالتعبير عن أفكارهم بحرية، علما بأن الفلسفة التي تستند إلى حرية العقل في التفكير لايمكن أن تكون إلا في سياق مجتمعي تسود فيه حرية الفكر. عاش الفلاسفة في مختلف العصور نائبات ومحن كثيرة في العصور القديمة، وفي الحضارة الإسلامية كما كان الأمر بالنسبة لابن سينا وابن رشد، ثم في العصر الوسيط المسيحي حيث عانى الفلاسفة من سلطة الكنيسة، بل وحتى في العصر الحديث، كما هو الشأن بالنسبة لديكارت الذي أجل نشر تأملاته توجسا من أن يلقى نفس المصير الذي لقيه علماء عبروا عن آراء تخالف توجهات الكنيسة أو توجهات السلطة القائمة في كل بلد. تعيش الفلسفة في الوقت الحاضر أيضا، في كثير من المجتمعات، نفس هذه الوضعية. فالفلاسفة متهمون بكيفية صريحة أحيانا، وبكيفيات غير مباشرة وغير صريحة في أغلب الأحوال بالتعبير عن أفكار مناهضة للأسس التي يقوم عليها المجتمع، وتتأسس عليها شرعية السلطة الموجودة فيه. لقد حرقت كتب الفلاسفة في الماضي، ولكن الفلسفة أكثر من ذلك حذفت أحيانا من قائمة المواد التي تتضمنها البرامج الدراسية. ونلاحظ أنها غير موجودة كمادة دراسية في بعض البلدان، أو أن تدريسها يقتصر على أقسام الدراسات العليا. وهكذا نرى أن استمرار التضييق على السؤال الفلسفي، كما صاغه سقراط، استمرت أيضا. وكما أننا نكتب تاريخا للمذاهب الفلسفية في مختلف البلاد والعصور، يكون علينا أن ننتبه أيضا إلى تاريخ الصعوبات التي لاقاها هذا النمط من التفكير منذ بدايته حتى الآن. فمن هذا التاريخ نستخلص العلاقة بين الحرية والفلسفة، وأن هذا النمط من التفكير يغيب حيث تضعف أو تغيب الحريات في المجتمع، وخاصة منها حرية التفكير. لايمكن لكل المجتمعات التحكمية أن تنتج فكرا فلسفيا. هذان هما المظهران اللذان نجد لهما استمرارا للسقراطية في تاريخ الفلسفة: فهو الإسم الذي يرد ذكره لدى الفلاسفة كلما فكروا في بداية هذا النمط من التفكير. ومن جهة أخرى، فإن اسم سقراط يحضر في قمر الفلسفة، كلما كانت الفلسفة في محنة أو تعاني من صعوبات تضعها بعض المجتمعات في وجه تطورها وسيادة طريقتها في التفكير. -3- ماهي، من جهة أخرى، المظاهر التي يصعب على الفلسفة في زمننا أن تستعيدها من السؤال السقراطي؟ هناك أولا فرادة الشخصية السقراطية ومكانتها داخل المجتمع الذي كان ينتمي إليه. فليس في إمكان أي فيلسوف اليوم أن يستعيد شخصية سقراط: الفيلسوف الذي كان يجوب شوارع مدينته أثينا يلتقي بشباب المدينة أو بساستها، ويوجه إليهم الأسئلة التي تحيرهم لكونها تحرجهم في يقيناتهم التي كانوا يظنون أنهم بفعل ما لديهم من معرفة وخبرة حائزون عليها بدون إمكانية لوضعها موضع سؤال. كانت قوة السؤال السقراطي في ذلك الوقت أنه متميز بحيويته وبتواصله المباشر مع من يهمهم أمره، أي مع من يفكرون في نفس القضايا التي يتعلق بها السؤال. غير أنه لم يعد من الممكن، منذ أفلاطون،استعادة السؤال الفلسفي بنفس ذلك التواصل المباشر مع الجمهور، مثلما كان ذلك متاحا بالنسبة لسقراط. لم تعد شروط الحياة في المجتمعات المعاصرة تسمح بشخصية للفيلسوف مثلما كانت حالة سقراط في أثينا المدينة اليونانية التي عاش فيها ومارس التفلسف عبر السؤال. من جهة أخرى، فإن ما يحول اليوم دون أن تلعب الفلسفة دورها الذي مارسه سقراط هو أن الفلسفة غيرت من طريقة حضورها وممارستها لدورها. لقد دخلت الفلسفة ، كما أشار إلى ذلك ميرلوبونتي، في العالم الأكاديمي، وأصبح التعرف على آراء الفلاسفة يكون من خلال كتبهم.، وبذلك صارت الفلسفة أقل تأثيرا. عندما دخلت الفلسفة العالم الأكاديمي صارت طريقة تعبيرها الأساسية هي الكتب. وقد أكد هيغل Hegel، وهو يتحدث عن تاريخ الفلسفة، إن أفكار الفلاسفة موجودة في كتبهم التي لاغنى عن العودة إليها لمعرفة تطور الفكر الفلسفي في التاريخ. كما أن أغلب الفلاسفة اليوم، كما ينعتهم ميرلوبونتي، موظفون في مؤسسة رسمية هي الجامعة التي يلقون بها دروسهم الفلسفية. توجد الفلسفة اليوم في أروقة الجامعات وفي المحاضرات التي تلقى بها والمناظرات التي تنظم في رحابها، ولكن علاقتها بالجمهور العام الذي يطمح الفلاسفة إلى التوجه إليه بأفكارهم ضعيفة. -4- يمثل سقراط في ذاكرة الفلاسفة كلما فكروا في بداية الفلسفة وفي دورها في المجتمع، ويحضر ذلك الإسم أيضا كلما أثيرت المشكلات التي واجهت الفلسفة خلال تاريخها في الحضارات المختلفة. إنه، كما قلنا، رائد الفلسفة في معناها الأول الأصيل الذي جعل السؤال فيها أهم من اليقين، ومنطلقا لإعادة بناء ذلك اليقين على أسس جديدة. لكن حيث إن الفلاسفة لايستطيعون اليوم استعادة شخصية سقراط في فرادتها وكيفية أدائها لدور الفلسفة في المجتمع، فإن ذلك يقود في الزمن المعاصر نحو البحث عن الكيفيات الجديدة التي يمكن أن تقترب بها الفلسفة المعاصرة من استرداد حيوية السؤال الفلسفي وقدرته على التواصل مع من يريد أن يتوجه إليهم الفيلسوف بسؤاله. وحيث عرفنا أن استمرار الطريقة السقراطية في السؤال لم يعد ممكنا، فإننا نرى أنه بإمكان فلاسفة زمننا أن يبحثوا عن وسائل أخرى يتيحها العصر لممارسة تفلسفهم والتواصل به مع أكبر قدر ممكن من متلقيه. فالعصر يسمح بفضل تطوره العلمي والتقني بممارسة طرق جديدة للتواصل بين الفلاسفة ومتلقي فكرهم.وهذه وضعية جديدة يكون على الفيلسوف المعاصر ان يستفيد منها. سواء كان الأمر على الصعيد الأكاديمي أو خارج هذا الصعيد، فإنه من الممكن الاتجاه نحو توفير الشروط التي تبدو ممكنة للتواصل بين الفلاسفة أولا، ثم للتواصل بينهم وبين متلقي فكرهم. وإذا كانت الفلسفة تنتشر اليوم عبر الكتاب، فإنه من المطلوب العمل من أجل وصول الكتاب إلى كل القراء الممكنين له: بالنشر وبالترجمة، وحتى عبر الانتشار الإلكتروني لأفكار الفلاسفة، إذ تسمح هذه الوسيلة بشيوع الكتاب الفلسفي في آفاق رحبة لم يكن لها مثيل في السابق. وفضلا عما سلف ذكره، فقد تأسست جمعيات فلسفية في بلدان كثيرة من العالم، ومن شأن التواصل بين هذه الجمعيات والتنسيق بين فعالياتها، وكذلك من خلال عقد المؤتمرات الفلسفية العامة أو التي تهم جهة من العالم يستطيع الفلاسفة التواصل بأفكارهم. اليوم العالمي للفلسفة مناسبة لكي تستعيد هذه الفعالية الإنسانية تاريخها، وترسخ في ذاكرتها اللحظات الكيفية الخاصة مقابل لحظة سقراط التي تحدثنا عنها. لكن بقدر مايكون على الفلاسفة المعاصرين أن يتذكروا شخصية مثل سقراط، بقدر ما يكون عليهم أن يكونوا على وعي بأن تلك الشخصية لايمكن استعادتها في فرادتها، ولكنه من الممكن استعادة حيوية السؤال الفلسفي بما يتيحه العصر، ولم يكن متاحا للفلاسفة الأوائل..

لغة الزمان والمكان



نجيب نصير
من الطبيعي ان يتغير مفهومي الزمان والمكان، في ظل وجود الإنسان المفكر والمرتقي، بغض النظر إذا كان هذا الارتقاء إراديا إبداعيا، أم إجباريا اتباعيا، فمفاهيم مثل المسافة ومن ثم الحجم هي مفاهيم نسبية، من البلاهة ان يقيسها المرء بالاتكاء على ما هو حاضر، فالمملكة في العصور القديمة قد تكون مجرد قرية في عصرنا الحاضر، والبحر مجرد سيل، وكذا الانتقال من مكان إلى آخر هو مسافة قصيرة أو طويلة حسب وسيلة الموصلات وصعوبة الطريق وأمانه.
فإذا أخذنا ما سبق كمثال في ظل استمرار عامل اللغة، فأننا سوف نصل إلى عالمين مختلفين تماما، أو بالاحرى إلى لغتين مختلفتين تماما، ( ولا أقول منفصلتين )، مرتبطتين بتصورات المرحلة التاريخية ومعارفها وأخلاقها، بحيث لا يمكن تطابق التعاريف وبالتالي لا يمكن تطابق المفاهيم ولا الأدوات ولا الأداءات، فالبحر القديم هو ليس البحر الحديث في تصورنا اللغوي والمعلومي، والسفر كذلك والحرب والسلم والمؤنة (المونة أو الكونسروة) واللباس والرفاهية والورق ووسيلة جلي الصحون و كل شيء على الإطلاق، وعليه فأن اللغة القديمة هي لغة غير قادرة على تصور وتصوير الواقع إلا بالحراك نحو الأمام بحيث لا تبق هي ذاتها على الأقل وإلا كانت هناك كوارث في اتجاهين:
الأول هو ممارسة اللغة كحياة مستمرة عبر استعادة الأفعال كما هي كأن نكرر إلى ما لا نهاية السفر مثلا مشيا على الأقدام أو على ظهور الهجن.
والثاني ان نستخدم وسائل النقل الحديثة وكأننا على ظهور الهجن أو مشيا على الأقدام، ومن هنا علينا تغيير تصورنا لمقاصد الكلمة أو جعلها ذات مقصد جديد أو تصور جديد وآلا بقينا نتصور أية ساقية ماء هي بحر، وربما كان هذا المثال هو من اصح الأمثلة فلا أحد يعرف اليوم البحر إلا كما هو معروف جغرافيا أي انه لا أحد يعود إلى اللغة كي يعرفه فالجغرافيا كعلم أقوى من اللغة بل وتصنعها، من هنا نحن أمام عالمين مختلفين، عالم العبودية للغة وعالم صناعة اللغة، الأول هو ان نجدد الولاء لها بقسر المفاهيم الحديثة على التطابق مع تصورات قديمة، والثاني هو تكييف التصورات القديمة مع المفاهيم الحديثة.
من هنا يمكن لنا الحياة في الواقع إذ ليس هناك من معنى مقابل لأية كلمة قديمة في واقعنا، ولعل الخلاف الأكبر بين من يعملون في التاريخ والتراث هو عدم مقدرتهم على تصور الواقع الماضي كما هو فيطبقونه بحذافيره على حاضر لا يتناسب معه ما يقوده إلى التخلف والدمار وبشكل مؤكد إلى الاندثار وبهذه الطريقة اللغوية لفهم وإدارة الأشياء سوف يندثر ما حوفظ عليه لمئات السنين بحفنة من عشراتها.... ومن يعش يرى..

روكسلان زوجة السلطان العثماني سليمان القانوني:


الافعة اليهودية التي أضعفت الخلافة العثمانية

روكسلان هي زوجة السلطان العثماني القوي سليمان المشرّع
ــ يسميه بعض المؤرخين سليمان القانوني ـــ ، والسلطان سليمان هو بطل معركة ( موهاكس عام 932 هـ ) ضد ملك المجر ، التي انتهت بنصر ساحق للعثمانيين العظماء .
وروكسلان يهودية ، اسمها الحقيقي ( خُــــرّم ) الذي يعني الباسمة ، جاءت للسلطان سليمان كهدية من ملك تتر القرم . فتزوجها وصارت حرة بولادة أبنها سليم الثاني .
هذه الروكسلان كان لها الدور الأكبر في دخول اليهود إلى العالم الإسلامي ، فبعد سقوط الأندلس ( عام 897 هـ ) بسقوط غرناطة ، بدأ
نصارى أسبانيا الحاقدين بجرائم محاكم التفتيش التي لم يسلم منها أحد حتى أفراد الطائفة اليهودية ، الذين ذاقوا صنوف من تلك الجرائم ، كما حرقت كتب توراتهم !
لذلك قرروا الهجرة إلى بلاد العالم الإسلامي ، فبعثوا بمن يطلب من روكسلان زوجة السلطان العثماني الذي كانت خلافته تسيطر على البلاد الإسلامية أن تتدخل كوساطة لدى السلطان للموافقة على أن يعيش اليهود كمواطنين في هذه البلاد .
فوافق السلطان سليمان ......... ، ولكــن !!!!!!
لهم أن يختاروا ما يحبون من بلاد للإقامة فيها ، ( إلا ) !!! فلسطين !
فتوزعوا في بلاد المغرب العربي ومصر واليمن وغيرها من البلاد العربية .
ثم بعد سنوات تعرض اليهود في الأراضي الروسية لمضايقات واعتداءات
فقرروا الهجرة إلى العالم الإسلامي ، حيث قاموا بنفس ما قام به يهود
الأندلس من مراسلة لزوجة السلطان روكسلان .
فقبل السلطان سليمان وبنفس الطريقة السابقة ، لهم أن يختاروا أي بلد
إلا فلــــســــطين !!
فتوزع اليهود على بلاد فارس والعراق وشمال تركيا والدونمة .
والدونمة هي المنطقة التي خرج منها مصطفى كمال أتاتورك ! الذي نزع
من تركيا كل ما هو إسلامي عام 1924 م ، لذلك يُتهم أنه من يهود الدونمة ، وبالمناسبة كلمة الدونمة تعني العودة .
ثم كان موقف السلطان العثماني عبد الحميد الذي طرد هرتزل مبعوث
الصهيونية من بلاطه عندما طلب منه في اللقاء الثاني أن يسمح لليهود
بالإقامة في فلسطين ، لأن السلطان عبد الحميد سبق وأن أصدر
فرماناً يمنع فيه اليهود من المبيت في فلسطين لأكثر من ثلاثة أيام .

الأحداث :

من سلبيات الحكم العثماني ومن الأسباب التي أدت إلى ضعف تلك الدولة الإسلامية العظيمة هو إقبال سلاطين هذه الدولة على التزوج من الأجنبيات من أهل الكتاب وذلك لجمالهن لأن ذلك أدى إلى أن كثيراً من السلاطين كانوا أبناء لنصرانيات أو يهوديات كن ذات أثر كبير على مجرى الأحداث لأنهن في هذه الحالة يكن متوزعي الولاء بين عقيدتهن وأزواجهن, وكثير منهن كن يعملن لصالح دينهن ضد الإسلام, ومنهن من كن أساس البلاء الذي حاق بهذه الدولة الكبيرة, وصفحتنا هذه توضح الدور الخطير التي لعبته واحدة منهن وكيف أنها جاءت من بلادها خصيصاً لهذا الهدف ألا وهو تدمير الدولة واغتيال أملها كما سنعلم في هذه الصفحة المؤلمة.
مرت الخلافة العثمانية بمراحل تكوين ثم انتشار ثم اندحار ثم تجميع ثم تفرق ثم توحد ثم عصر قوة عندما تولى السلطان سليم الأول وأعلن نفسه خليفة للمسلمين بعد أن أسقط دولة المماليك في مصر والشام وخلفه ابنه سليمان الأول المشهور بالقانوني وكان صاحب شخصية قوية جداً وهمة عالية مثل أبيه في الجهاد فتح كثيراً من البلاد مثل جزيرة رودس والقرم ورومانيا وبلجراد والمجر وترانسلفانيا وضمن لأملاك المسلمين الجزائر وليبيا وتونس ووصلت الدولة الإسلامية في عهده لأقصى اتساعها حتى صارت أقوى دولة في العالم وقضى على كل الثورات الداخلية ومتمردي الشام الدروز وقلم أظافر الدول الصفوية التي ظهرت من جديد عقب وفاة السلطان سليم الأول وأتم سليمان مهمة أبيه سليم في تطهير الجزيرة العربية من البرتغاليين شديدي العداوة للإسلام والمسلمين وأوشك على فتح الهند وأرسل أمير بحره خير الدين وعرج للإغارة على سواحل أسبانيا للانتقام مما أصاب المسلمون على يد الصليبيين هناك.
بان للعيان أن هذا السلطان الجديد على رأس الدولة العثمانية بمثابة صاعقة وكارثة حقيقية حطت على رؤوس الدولة الصليبية في أوروبا خاصة بعد محاصرة 'فيينا' عاصمة الإمبراطورية النمساوية ولم يكن في مقدور تلك الدول عسكرياً الوقوف في وجه العثمانيين وهنا ظهرت الحيلة والخداع.
أسر التتر المسلمون في شبه الجزيرة القرم في إحدى غاراتهم على الروس فتاة بالغة الجمال تدعى روكسلان فأهدوها للخليفة سليمان الذي اتخذها خليلة له وكانت بارعة الجمال سلبت لب سليمان فلم يقو على بعدها فأعتقها ثم تزوجها واتضح أنها يهودية الديانة وكان لها بالغ الأثر في سياسة سليمان بعد ذلك ومن أهم أعمالها التي قامت بها تلك الأفعى اليهودية ما يلي:
روكسلان ويهود الدونمة :
عندما سقطت الأندلس في يد الصليبيين كان بها أعداد كبيرة من اليهود الذي لاقوا معاملة مهينة من الصليبيين الذين خيروهم بين اعتناق النصرانية أو الرحيل من الأندلس فدخل الكثيرون منهم في النصرانية ورحل الباقي عن الأندلس فلم يجدوا بلداً يوافق على استقبالهم لسالف أفعالهم الشريرة وإفسادهم كل بلد يدخلونه ورفضهم العالم بأسره, وعندها طلبت روكسلان اليهودية من السلطان سليمان قبولهم في الدولة العثمانية وتذللت بين يديه وتصنعت له حتى وافق سليمان المسكين على استيطان هؤلاء النتن في بلاده ولم يدر أي بلية نكب به أمة الإسلام وأي داهية دخلت تحت ثيابه ذلك لأن هؤلاء اليهود الذين أطلق عليهم اسم يهود الدونمة سيكون لهم دور رئيسي وأساسي في سقوط الخلافة العثمانية فيما بعد.
روكسلان والحرب مع روسيا:
روكسلان كانت يهودية من أصل روسي, وروسيا كانت من أعدى أعداء المسلمين وكانت روسيا صاحبة الدور الأكبر في إسقاط العثمانيين, وكان الروس آنذاك ضعاف والمسلمون التتر في شبه جزيرة القرم يغيرون عليهم باستمرار وعندها تدخلت روكسلان لدى سليمان وتوسطت عنده ليمنع المسلمين في شبه جزيرة القرم من محاربة الروس وكف أيديهم عنهم وبالفعل منع سليمان التتر من ذلك فماذا كانت النتيجة ؟ استطاع القيصر إيفان الثالث المعروف بالرهيب توحيد الروس وأغار على القرم داخل بلادهم وسيطر عليهم وارتكب أبشع الجرائم التي تدل على شدة الكراهية للإسلام والمسلمين ولقد سمى إيفان بالرهيب للأفعال الرهيبة التي فعلها مع المسلمين, ثم استدار الروس بعدها للعثمانيين وظلوا يحاربونهم حتى سقطت الدولة العثمانية في نهاية الأمر.
روكسلان واغتيال القائد مصطفى:
لم تكتف روكسلان بكل ما فعلته سابقاً بل عملت بشتى السبل على إقناع سليمان ليولي ابنه منها سليم الثاني الخلافة بعده ولكن سليمان رفض لأن ولي عهده كان ولده الكبير القائد العظيم مصطفى الذي كان يحظى بحب الشعب لديانته وأدبه وميله للعلماء والشعراء وأيضاً يحظى بدعم الجيش والانكشارية لبطولته وفروسيته وشجاعته وتوسم فيه الجميع أنه سيكون خليفة على الطراز الأول يعيد للأذهان عهد الخلفاء الصالحين, ولما رأت روكسلان رفض سليمان لعزل مصطفى وتولية سليم عملت على استخدام الدسائس والمؤامرات بالتعاون مع الصدر الأعظم رستم باشا وهو بالمناسبة زوج ابنتها من السلطان وتم تعيينه عن طريق روكسلان, تآمرت معه على أن يحرض السلطان على ولده وأفاض عليه الأكاذيب والأباطيل أن مصطفى يريد الخلافة واستقطب الانكشارية في صفه ويريد أن يفعل مع سليمان ما فعله جده سليم مع أبيه بايزيد حتى امتلأ صدر سليمان غضباً على ولده مصطفى الذي كان يحارب وقتها الدولة الصفوية فاستدعاه سليمان يوم 12 شوال سنة 954 هـ إلى خيمته ثم أمر بعض الخدم فخنقوا مصطفى حتى قتلوه وعندما علم الناس ذلك ثارت الانكشارية وهموا بعمل انقلاب فعزل سليمان الصدر الأعظم رستم باشا لتهدئة الاضطرابات فأرسلت روكسلان من قتل الصدر الجديد حتى يعود زوج ابنتها مرة أخرى, ولم تكتف روكسلان بذلك بل أرسلت من قتل طفل مصطفى الرضيع لينقطع أثره ولا يطالب منهم أحد بعد بالملك.

وهكذا اغتالت تلك الأفعى المؤجرة لذلك خصيصاً حلم الأمة وأملها في قائد عظيم يواصل رحلة الجهاد والقوة ضد الكافرين وفتحت أبواب على الدولة على مصراعيها لسرطان سوف يقتلها ألا وهم يهود الدونمة , لذلك نرى أن هذه الأفعى اليهودية كانت أس البلاء على الدولة العثمانية خاصة والأمة الإسلامية عامة .

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites