محاولة الإيقاع بين الأديان





هناك العديد من الأديان السماويّة التي قد إنتشرت في جميع أنحاء العالم، وتوجد إختلافات كثيرة بين هذه الأديان، فنجد إختلافاً على مستوى التّوحيد مثلاً، وأخرى على مستوى الوظائف التي يجب القيام بها، وثالثاً في كيفيّة الحساب ويوم القيامة، إلّا أنّ الأديان السماويّة ـ على إختلافها الشاسع ـ تشترك جميعها في عدّة أمورٍ، أهمّما وجوب القيام بأعمال معيّنة وإكتسابها، وهذه الأعمال تتمثّل بالقيم.


نعم إنّ تحديد مفهوم القيم ومقدارها وكيفيّة سلوكها، تختلف من دينٍ إلى آخر، إلّا أنّ الذي يهمّنا هو كونها جميعاً تشترك في أصل وجود قيمٍ يجب الحفاظ عليها ومراعاتها، فلا يحقّ لأفراد تلك الأديان القيام بما يحلو لهم ومتى وكيف. وليس هذا من باب الإجبار والظلم والتّسلط، وإنّما يدّعي أصحاب الأديان أنّها لمصلحة الفرد والمجتمع وللحفاظ عليهما، وهذا الأمر واضح جدّاً، فإنّ الفرد مع عدم إلتزامه بأيّ قيمٍ سيصبح كالحيوان وسينعكس الأمر سلبيّاً عليه وعلى مجتمعه، بل ستصبح حياة البشر أشبه بحياة الغابة. وهذا هو ديدن العقلاء في حياتهم ـ حتى الذين لا يؤمنون بدين ـ فإنّهم يرون وجوب وجود نظام يحفظ الفرد والمجتمع من الفوضى، ويضمن لهما الأمن والإستقرار، ولأجل ذلك تقوم الدّول بوضع القوانين والأحكام الجزائيّة وغيرها، وإلزام شعبها بما تراه مناسباً لمصلحتهم.

إذن فمن المسلّم أنّ الإلتزام بالقيم والقوانين أمرٌ طبعيّ وضروريّ في حياة البشر! إلّا أنّنا مع ذلك نجد على مرّ التاريخ، أنّ الأديان السماويّة ـ على إختلافها ـ حوربت من قِبل أصحاب السلطة والحكم والجبابرة، فهل كلّ هذا العداء من هؤلاء لمختلف الأديان، كان فعلاً بسبب عدم صلاحيّة تلك الأديان لتنظيم حياة البشر، وأنّ القيم التي كانت تدعو لها، كانت لا تتناسب مع مصلحة المجتمع، أم أنّ المعادين والمحاربين للأديان لم يكونوا عقلاء، فلم يدركوا مدى حاجة الناس والبشريّة للقيم والإلتزام بالقوانين؟

والصحيح: أنّ لا هذا ولا ذاك هو الحقّ، فإنّه لا يمكن إقناع أحدٍ بأنّ كلّ تلك الأديان السماويّة كانت فاسدة ولم تكن تشتمل على قيمٍ وأخلاقٍ وقوانين صالحة للبشريّة. ولو وجد بعض الخلل فيها، لكان الأولى معالجتها بدلاً من محاربتها بشكلٍ مطلق. وكذلك لا يمكن إقناع العالم بأنّ كلّ السلاطين والحكّام كانوا ضعفاء العقل بحيث لا يدركون حقيقة لزوم وجود قيمٍ يلتزم بها. وإلّا كيف وصل هؤلاء ـ ضعفاء العقول ـ إلى الحكم والسلطة؟

والحقيقة أنّه لا شكّ في كون كلّ الأديان تشتمل على قدرٍ كبيرٍ من القيم والإلتزامات المحقّة، وأنّ الكثير من السلاطين وأصحاب الحكم كانوا عقلاء، بل حكماء ويدركون جيّداً ضرورة القيم على حياة الإنسان، بل ضرورة الدّين أيضاً، إلّا أنّ المشكلة في إجتماع الدّين الذي أراده الله تعالى مع الدّنيا التي أرادها هؤلاء الجبابرة، حيث إنّ الله تعالى أراد للإنسان أن يكون حرّاً صاحب كرامة وعزّة، وأراد نشر العدل بين الناس، وهذا بالطّبع لا يجتمع مع أهواء ورغبات الطواغيت الذين أرادوا السيطرة على البشر وخيراتهم، والحصول على الملك لأنفسهم لا لخدمة الناس ونشر العدالة!

فكان هذا هو السبب الأساسيّ في نشر الفتنة والعداوة بين مختلف الأديان السماويّة وإظهارها بصورة بشعة، وكأنّها تسعى للسيطرة على عقول الناس فحسب، وذلك لإبعاد الناس عنها وعدم إلتزامهم بالقيم، وبعد إبتعاد الناس عن الأديان وعدم وجود مّن يوجّههم إلى طريق الحقّ، يأتي دور السلاطين وأتباعهم لتوجيه الناس وإخضاعهم لرغباتهم الشخصيّة، وعدم تمكّن الناس من مواجهتهم، وبذلك يضمنون ملكهم على حساب العدالة والحرّيّة والكرامة!

وفي عصرنا الحاضر لم يتغيير المشهد عن سابقه، فلا زالت السلاطين تحارب الأديان بمختلف أنواع الخدع والفتن، وعلى رأس هؤلاء السلاطين ـ الولايات المتّحدة الأمريكيّة ـ، فكم من بلدٍ كان آمناً يعيش أهله بسلام ومحبّة وعيشٍ مشتركٍ فيما بين المسلمين والمسيحيين، وبين المسلمين أنفسهم، فأوقعت بينهم وسلّمت الأسلحة المدمّرة لكلا الطرفين، لأنّه ليس من مصلحتها فوز أحد وسيطرته، بل هدفها الوحيد إضعافهما وتمكّنها من السيطرة عليهما معاً وعلى خيراتهما. فهذه ـ العراق ـ التي كانت تعيش الظلم من قِبل الطاغية ـ صدّام ـ إلّا أنّها لم تكن يوماً تعرف الإقتتال الدّاخلي، بل كان شعبها ـ السّنيّ والشيعيّ، والمسلم والمسيحيّ ـ يعيشون حياة مشتركة، وكان الواحد منهم يحترم الآخر، وبعد دخول الجيش الأمريكي المحتل إلى بلدهم، عانى ذلك الشعب الأمرّين من ظلمٍ وقتلٍ ومن فتنةٍ بين أديانه المختلفة، والنّتيجة أنّ كلّ الأطراف خرجت خاسرة وخلّفت دماراً شاسعاً ـ على المستوى الإقتصاديّ والرّوحي والتّعاطي بين الشعب الواحد ـ يحتاج ترميمه إلى سنواتٍ طويلة.



0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites