(عيون تبحث عن الحلم)

 



 


عزّ على سعد أن يغادر بلده هكذا، وقد ضاقت به السبل، وأصبح الخيار الوحيد أمامه أن يسافر إلى بلد آخر يبحث فيه عن مصدر جديد للرزق، وهو الكفاءة النادرة التي تحتاجها بلاده أيضاً..
بعد يومين من الاستعداد لنفسي للشعر جهّز حقيبته الكبيرة التي تحوي ملابسه، وحقيبة أخرى تحمل ما يحتاجه من كتبه وأوراقه وبحوثه، واتجه وحيداً صوب المطار وفي القلب حزن عميق على فراق البلاد التي أحبها ولم تمنحه الشعور بالأمان، وقد وضع في مكان لا يتناسب مع كفاءته..
انتهت معاملات سفره بسهولة، ووجد نفسه فجأة في قاعة الانتظار التي تنفتح على بوابات الطائرات، ينتظر الأمر بالعبور إلى طائرته.. حدّق حوله في الوجوه المتعبة التي تنتظر وهي تقطّع الوقت بالقراءة والأحاديث أحياناً، والتحديق في البعيد في شرود يحمل القلق والحيرة والترقب..
شعر بيد توضع على كتفه، فالتفت ليجد وجهاً مألوفاً لصبية في أواسط العمر تبتسم له.. قفز مذهولاً:
- لينا؟ معقول؟
ـ كيف حالك يا سعد؟


ـ بخير.. اجلسي يا لينا هنا.. هل أنت مسافرة معنا؟
ـ نعم.. إلى نيويورك أيضاً.. نفس المدينة التي تقصدها..
ـ وكيف عرفت؟
ـ بالمصادفة.. لي صديقة تعمل بشركة الطيران، هي التي أخبرتني عن سفرك إلى أمريكا، كانت تعلم بعلاقتنا..
ـ وماذا ستفعلين في نيويورك؟
ـ أنا أعمل هناك..
ـ ماذا تقولين؟
ـ اعمل في مؤسسة صحافية، تهتم بالدراسات الشرقية القديمة.. إنه اختصاصي كما تعلم..
ـ نعم... نعم.. آه يا إلهي منذ زمن طويل لم أرك.. لا تتصوري كم أنا سعيد بلقائك..
ـ لم تتغير كثيراً..
ـ أربع سنوات ليست زمناً كافياً للتغيير..
ـ أربع سنوات وسبعة أشهر و(20) يوماً..
ـ تحفظينها بدقة؟
ـ وكيف لا أحفظها وقد تغيرت حياتي بعد آخر لقاءاتنا..
ـ أنا آسف يا لينا، لم أكن أملك زمام نفسي، كنت محاصراً بواقع بغيض، دمر الكثير من طموحاتي وآمالي.. أتعلمين لماذا أسافر إلى نيويورك؟
ـ مؤتمر علمي؟
قال متنهداً:
ـ ليته كان مؤتمراً علمياً، أنا أسافر مهاجراً.. وربما لن أعود إلى هنا إلاّ بعد سنوات.. وربما لن أعود أبداً..
ـ ووالدتك..؟


قال بحزن:
ـ رحمها الله توفيت منذ عامين..
ضغطت على يده بحب: ـ أنا آسفة..
مرت لحظات من الصمت ثم قالت فجأة وهي تهز رأسها:
ـ أنت تهاجر؟ معقول؟ أنت كفاءة علمية نادرة يا سعد.
ـ لم يعد لي مكان هنا، قاومت ظروفي الصعبة كثيراً، دون جدوى.. ضايقوني كثيراً يا لينا.. انبعث صوت من الميكروفون: "تعلن شركة الطيران العربية السورية عن إقلاع رحلتها رقم (401) المتجهة إلى (لندن) يرجى من السادة الركاب التوجه إلى البوابة رقم (10)"
ـ هيا يا لينا.. سيكون سفراً طويلاً..
ـ سنقضي يوماً في لندن قبل أن نستقل طائرة الخطوط الجوية الفرنسية إلى نيويورك، عبر كندا..
***
كانت لينا هي الفتاة الوحيدة التي أحبها سعد وعاش معها قصة حب طويلة لم تكلّل بالزواج ربما لعدم جديتها في قبول حبه، كانت فتاة متحررة، لديها الكثير من الأصدقاء الشبان، الذين يتوافدون لزيارتها في البيت مع أمها العجوز.. وعرف أن لها علاقة مع الدكتور (أيمن زيتوني) الذي لمع نجمه في السياسة كأحد أقطاب حزب وحدوي جديد، وبالفعل رآها سعد تخرج أكثر من مرة مع الدكتور أيمن .. ورغم أنه صارحها أكثر من مرة بتضايقه من كثرة أصدقائها، ولمّح للدكتور محسن.. فإن لينا كانت ترفض بإصرار كل هذه التقولات، فما بينها وبين هؤلاء لا يعدو صداقة بريئة خالية من كل شائبة.. ولم يكن مقتنعاً بذلك..

 

في أحد الأيام، جاء إلى بيتها في ساعة متأخرة من الليل، دون أن يتصل بها بالهاتف، رن جرس الباب ووقف ينتظر.. وبعد فترة فتح الباب وأطل وجهها:

ـ سعد؟ أنت؟
ـ أنا آسف يا لينا..
ـ الوقت متأخر ولكن لا بأس، تفضل..
وصلته الأصوات من الداخل يبدو أن لديها ضيوفاً..
ـ لديكم حفلة؟
ـ لا. بعض الأصدقاء أتوا يزورون أمي، تعلم أنها مازالت تطبع كتباً جديدة خارج البلاد..
ـ آه نعم.. مساء الخير يا جماعة..
قالت الأم معرّفة به:
ـ الدكتور سعد، إنه أحد علمائنا الشبان.. الدكتور أيمن تعرفه بالطبع يا سعد.. وهذا أيضاً الأستاذ حمدان خبير لغة عربية كان زميلي في التدريس، وهذه زوجته أماني.. والباقي أنت تعرفهم جميعاً فهم من جيراننا..
هز رأسه بانحناءة: ـ آه.. آه.. تشرفنا..
قال أيمن مشيراً للينا:
ـ أكملي يا لينا حديثك..
ـ آه .. نعم.. المهم وصلت إلى طهران في الصباح وكان الثلج يتساقط بغزارة وطلب مني فور نزولي من الطائرة أن أضع (الشادور) العباءة التي تلبسها الإيرانيات الآن..
قال أيمن: ـ إنه تزمّت.
وعلق حمدان: ـ ولكنك أجنبيّة يا لينا، لا يمكن أن يرغموك على ارتداء (الشادور)..
ـ لقد أرغموني، ولم أستطع قضاء أكثر من يومين عند إحدى الموظفات في سفارتنا..
همس سعد في أذنها منزعجاً:


ـ ما الداعي لهذه الأقصوصة غير المقنعة.؟. الذي أعرفه أنك لم تسافري إلى إيران أبداً.. همست وهي تشد على يده:
ـ اصمت يا سعد.. نحن نتسلّى..
ـ هذه ليست تسلية..
قال أيمن:
ـ أتعلمون يا جماعة، عندما كنت في إيطاليا كان لي صديق يسكن في منطقة شعبية في روما، في غرفتين على السطح، كانتا مريحتين واسعتين، لهما إطلالة جميلة على المدينة..
علقت لينا:
ـ قضى أيمن في إيطاليا نحو عشر سنوات..
أكمل أيمن:
ـ زرته في إحدى المرات ورأيت طيور الحمام تحط على السطح العالي أمامه بالآلاف كل يوم.. قلت له لم لا تصطاد بعضها ستكون طعاماً شهيّاً.. ويبدو أنه طرب للفكرة فتمكن من القبض على ثلاث حمامات اقتربت منه مع غيرها لشعورها بالأمان.. ثم ذبحها ونظفها، ووضعها في المقلاة، وكانت طعاماً شهياً فعلاً..
قالت لينا: ـ لقد ارتكب مخالفة بالتأكيد..
ـ مخالفة؟ هه.. اكتشفت صاحبة الشقة بعض الريش والدماء في حاوية القمامة، فصعدت إليه تنذره بوجوب إخلاء الشقة خلال (24) ساعة، متهمّة إياه بالوحشية باعتدائه على طيور أليفة هادئة ترمز للمحبة والسلام..
ـ تسببت له في الطرد من الشقة إذن؟
ـ وأتى إليّ ليقضي أسبوعين في شقتي حتى تمكّن من تدبير شقة جديدة بصعوبة، فلقد أبلغت صاحبة شقة السطح، جميع أصحاب مكاتب التأجير بما فعله صديقي.. ولم يقبل صاحب الشقة الجديدة أن يسكنه عنده إلا بشروط صعبة..


علق سعد:
ـ ليس عملاً حضارياً قتل الحيوانات الأليفة كالطيور، دون مبرر.. في بلادنا كانت هناك أنواع نادرة من الحيوانات والطيور انقرضت بسبب الإقبال الجائر على صيدها دون وعي..
سخر أيمن: ـ هه.. بدأنا بسماع الوعظ..
انتفض سعد:
ـ ليس وعظاً، إنه لفت نظر إلى خطأ نمارسه بسكوتنا على تخريب بيئتنا.. صاحبك يا دكتور أيمن لم يكن منصفاً في اعتدائه على الحمام.. وأنت أيضاً كنت مخطئاً بتوجيهه لصيدها..
قال بسخرية:
ـ اعتبرها قضية دولية إذن، وقدم ضدي شكوى لمجلس الأمن..
ـ أنا آسف، اعتقدتك مهتماً بمشاكل الإنسان وقضاياه المستقبلية..
ـ تركت هذا الاهتمام لك يا دكتور..
نهض غاضباً:
ـ أنا آسف، يبدو أنني أفسد حفلكم البهيج..
قالت أم لينا:
ـ اجلس يا سعد.. ولا تدقّق على كلام الدكتور أيمن إنه يبالغ في سخريته أحياناً..
غمغمت لينا:
ـ سأغلي القهوة الآن.. عن إذنكم..
دخل وراءها:
ـ أتسمحين لي بمساعدتك؟
ـ سنلفت النظر بانزوائنا.. في المطبخ..
ـ سأتكلم معك لدقيقة وأعود..
ـ حسناً..
وحين صار في المطبخ:
ـ اسمعي يا لينا، جئت أعرض عليك الزواج مني.. أريد أن أخرجك من هذا الجوّ، ليكون لك بيتك الخاص وحياتك المستقلة..
ـ الآن؟ تعرض علي الزواج؟ ماذا جرى اليوم حتى يتقدم لخطبتي هذا العدد دفعة واحدة؟
ـ ماذا تقصدين؟
ـ الدكتور أيمن ثم الأستاذ حمدان الذي طلبني لابنه علي، وأخيراً أنت..
ـ معقول؟ وطلبك الدكتور أيمن أيضاً؟ هذا يجعلنا مرغمين على الإسراع بالزواج..
ـ ماذا تقول يا سعد؟ أنت لا تملك مؤهلات القيام بأعباء أسرة.. بيتك بالأجرة، وراتبك لا يكفي لفواتير الكهرباء والهاتف..
ـ أنا أعمل أيضاً في مكان آخر، أنت تعرفين؟
ـ أعرف أعرف.. ولكن كل هذا لا يكفي..
شعر بالدهشة:
ـ أنت يا لينا؟ ماذا جرى لك؟
ـ لا شيء.. أنا أفكر بصوت عال.. اعذرني يجب أن أعد القهوة..
انسحب من المطبخ: ـ لا بأس تفضلي..

 

غادر سعد بيت لينا مستأذناً من الموجودين جميعاً، وهو يشعر بالأسى في قرارة نفسه على موقف لينا حياله.. وصمّم أن لا يعود إلى هذا البيت، إلاّ إذا انصلحت الحال تماماً وعادت لينا إلى طبيعتها التي أحبها من أجلها..
سمع بعد فترة أنها تزوجت من الدكتور أيمن وأن الزواج لم يستغرق أكثر من ثلاثة أشهر، فلقد ضبطته يوماً مع عشيقته القديمة.. وهكذا تم طلاقهما بصمت وقد تنازلت له عن مؤخر صداقها، وعادت إلى بيت أمها، إلى الحفلات الصاخبة والزيارات المتكررة لأماكن التسلية..
وظلّ سد بعيداً عنها حتى رآها مرة في الطريق، كان الجوّ بارداً وقد التفّت بمعطفها وهي تتمشّى قرب جسر (فيكتوريا).. شهقت حين رأته وبدا له كأنها ستندفع إلى صدره باكية، ولكنها اكتفت بالسلام عليه، ودعته لزيارتها وأمها.. وهو يحدق فيها ساهم النظرات.. دون أن ينفّذ تلك الزيارة.. ومنذ ذلك الحين لم يرها..
نبهته وقد لحظت شروده: ـ ما زلت شارداً يا سعد؟
ـ آه .. أفكر في رحيلي هذا.. إنه هروب لا بديل عنه..
ـ وأنا أيضاً..
ـ صحيح يا لينا، البقية في حياتك.. كنت مسافراً حين توفيت أمك، لم آت لتقديم العزاء.. أنا آسف..
غمغمت: ـ لا يهم..
ـ أتعلمين، إنها مصادفة مذهلة أن نلتقي بعد كل هذه السنوات؟
ـ نعم.. كنت أفكر في هذا أيضاً.. ربما كانت مصادفة خاصة لها طعم غريب غامض..
تنهد بحرقة:
ـ كانت حياتنا صعبة.. ألا تتذكرين رفضك الزواج مني وأنت تعدّين القهوة لضيوفك؟
قالت بحزن: ـ كنت دون وعي يا سعد..
ثم انفجرت تبكي: ـ مازلت أعيش في دوامة الندم حتى الآن..
ـ لم أكن أتصور في حياتي أن أتعرّض لذلك الموقف، خاصة من لينا التي أحببتها أكثر من أي شيء في الوجود...
ـ معك حق يا سعد، كنت قاسية تماماً..
وأتت المضيفة نحو لينا:
ـ أتريدين شيئاً يا سيدتي؟ هل أحضر لك بعض المرطبات؟ أراك حزينة..

شكرتها: ـ لا.. لا بأس أنا بخير..
ـ وأنت يا أستاذ هل أحضر لك بعض العصير؟
ـ لا بأس شكراً لك..

 

عاد سعد إلى شروده وشعر بلينا تلتصق به، نظر إليها بحنان:
((إنها تلقي رأسها على كتفي وتنام، أشعر أنني أعود لتلك الأيام الجميلة التي قضيناها معاً))
***
((سيداتي وسادتي بدأنا نقترب من الجزيرة البريطانية دقائق ونهبط في مطار لندن الدولي))
رفعت رأسها:
ـ يبدو أنني نمت طويلاً..
ـ نحو ساعة.. كنت متعبة..
ـ أرجو أن لا أكون قد أزعجتك؟
ـ ماذا تقولين يا لينا؟ مازلت الأغلى عندي، لا يمكن أن تحلّ مكانك أية امرأة.. أنا لم أتغير يا عزيزتي..
همست: ـ كأنني في حلم جميل، أخاف أن أستيقظ منه.. ضمني إليك يا سعد..
هبطت الطائرة في المطار، وجلس سعد ولينا في قاعة (الترانزيت) في انتظار قدوم الطائرة الفرنسية التي ستقلهما إلى نيويورك..
كانا سعيدين وهما يستعيدان ذكرياتهما القديمة، ولم يشعرا بمرور الوقت كانت هناك عجوز طاعنة في السنّ تجلس على مقعد مجاور.. وحين أعلن عن قدوم الطائرة الفرنسية، وقف سعد ولينا يستعدان لدخول الطائرة ووقفت وراءهما العجوز وهي تحمل حقيبة يدها الصغيرة.. جلسا متجاورين في الطائرة، واقتربت العجوز منهما، تطلب منهما السماح بالجلوس إلى جانبهما في المقعد الخالي، كانت تتكلّم العربية...
ـ ذاهبان إلى نيويورك؟
ـ نعم .. وأنت يا خالة؟
ـ إلى هناك أيضاً أزور أصدقاء.. يقيمون إلى طرف حي (هارلم)..
ـ حيّ الشغب والمشاكل.؟
ـ بل إنه حي البؤس والفقر، صحيح أن الزنوج يرتكبون أفعالاً غير قانونية، ولكنهم فقراء بؤساء، خارج إطار العناية والرعاية..
ـ ربما كنت محقة يا خالة..
ـ اعذراني، أنا متعبة سأنام.. وإن أتت المضيفة من أجل الطعام والشراب، اعتذرا عني، لا أريد أن يزعجني أحد..
قال سعد: ـ كما تشائين يا خالة..
كان التعب يبدو عليها فعلاً.. كما كانت تبدو غريبة بشكلها وملابسها... أمسك سعد يد لينا :
ـ ألست متعبة؟
ـ ربما، ولكني أحس بسعادة لا توصف بوجودك إلى جانبي..
ـ وأنا أيضاً يا لينا..
وانبعثت ضجّة غريبة وبدأت الطائرة تهتزّ..
ـ ما هذا؟ ما الذي حدث؟
ـ سأسأل المضيفة القادمة..
أصرّ سعد على معرفة سبب هذه الضجة التي تهزّ الطائرة.. ولكن المضيفة أعلنت أنها لا تعرف شيئاً..
ثم انبعث صوت قائد الطائرة يهدئ الركاب الذين أحسّوا بالذعر إلى أنهم يمرون في مطبّات هوائية شديدة..
ولكن اهتزاز الطائرة ازداد لدرجة أنها بدت وكأنها تتمايل في مهب الريح العاصفة وفجأة توقف كل شيء.. وظهر كأن الطائرة اجتازت المطبّات بسلام.. ولكن صوتاً غريباً انبعث من مكبّرات الطائرة: "نحن مضطرون للهبوط فوق مياه المحيط الهادي قرب جزيرة صغيرة.. يرجى الهدوء سننجح جميعاً في اجتياز هذه المحنة إن شاء الله".
ـ يبدو أننا في خطر يا سعد..
ـ يجب أن نواجهه بشجاعة يا حبيبتي..
ـ لست خائفة وأنت إلى جانبي..
عاد الصوت: ((نحن في طريقنا للهبوط، يرجى التأكد من ربط الأحزمة.. والاستعداد لارتداء لباس العوم حالما تستقر الطائرة))..
ـ مازالت العجوز نائمة.. هل أوقظها؟ إنها تربط حزام المقعد.. منذ أن استقرت في مقعدها..
ـ إننا نهبط بسرعة يا سعد..
ـ نعم.. ثقي بالله لن يحدث لنا مكروه..
انتفضت العجوز: ((أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.. هل وصلنا نيويورك؟))
ـ لا يا خالة، نحن نهبط في المحيط، إنه هبوط اضطراري، المطبّات الهوائية التي تعرّضت لها الطائرة، عطّلت بعض أجهزتها..
ـ في المحيط؟ يا إله السماوات..
ـ لا تخافي يا خالة، الطائرة مجهزة لتطفو على سطح الماء.. مدّة تكفي الركّاب لأخذ أمكنتهم في قوارب النجاة..
ـ إنّنا نقترب من المحيط بسرعة، كأنّنا سنصطدم به..
ـ ربما لم يحسن الطيّار المناورة..
ـ يجب أن ينجح في المناورة وإلاّ غاصت الطائرة في المياه..
تمتمت العجوز بكلام بدا لهما غامضاً: ((يا إلهي من أحلامي التنبّؤية؟ كأنني رأيت الحدث قبل وقوعه.. بل رأيتكما في أحلامي.. كانت شخصية كل منكما واضحة تماماً))
تنهدت وهي تنظر إليهما بعمق:
ـ لا تخافا، كل شيء سيكون على ما يرام..
كان الطيّار مازال يحاول المناورة والهبوط فوق سطح المياه..
ونجح الطيار أخيراً في تعديل جسم الطائرة أيضاً.. لتسير مثل زورق بخاري.. سألها سعد:
ـ أنت خائفة يا لينا؟ ألا تعرفين السباحة؟ ارتدي سترة النجاة بسرعة.. لا وقت لدينا..
قالت العجوز: ـ ساعدني في ارتداء السترة يا بني..
وعاد الصوت: ((ليس لدينا وقت طويل، عجّلوا بارتداء اللباس الخاص بالعوم، بعد دقيقة واحدة ستنفتح الأبواب، حيث سيخرج أفراد الطاقم مع زوارق النجاة، ليساعدوا الجميع في الصعود إلى الزوارق))
شدّت لينا على يده:
ـ ما دمت إلى جانبك لا أشعر بالخوف أبداً..

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites